للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنكروه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ"، وهذا لا حجة فيه، لأن الواحد يُخبِرُ عن نفسه بإخبار الجميع، وقد يُؤَوَّلُ هذا بمعنى: لا نورث الذي تركناه صدقةً؛ لأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يُخَلِّف شيئاً يُورث عنه .... ، فإنْ قيل: ففي بعض الروايات: "إنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ لاَ نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ"؛ ففيه التأويلان جميعاً: أَنْ يكون "ما" بمعنى "الذي"، والآخر لا يورث من كانت هذه حاله". اهـ (١)

وهناك عدد من المفسرين فسروا الآيات بإرث المال لا النبوة، لكن لم يجيبوا عن الحديث، ومن هؤلاء:

ابن عباس (٢)، وأبو صالح (٣) (٤)، وعكرمة (٥)، والضحاك (٦)، والحسن البصري (٧)، وسفيان الثوري (٨)، وابن جرير (٩).

حيث قالوا في تفسير قوله تعالى: (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) قالوا: يرث من زكريا المال، ومن آل يعقوب النبوة.

وعن الحسن في قوله تعالى: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ) قال: ورث المال والملك، لا النبوة والعلم. (١٠)

إلا أَنَّ الرواية عن ابن عباس لا تصح، وكذا الرواية عن عكرمة والضحاك والحسن البصري.

ويدل لمذهب القائلين بالتخصيص: حديث: "رَحِمَ اللَّه أَخِي زَكَرِيَّا مَا


(١) إعراب القرآن (٣/ ٧).
(٢) ذكره السيوطي في الدر المنثور (٤/ ٤٦٧)، وعزاه للفريابي.
(٣) هو: باذام، ويقال: باذان، مولى أم هانئ بنت أبي طالب، وهو صاحب التفسير الذي يرويه عن ابن عباس، ورواه عن أبي صالح: محمد بن السائب الكلبي، قال أبو حاتم وغيره: لا يُحتج به، يعني أبا صالح، عامة ما عنده تفسير. انظر: الطبقات الكبرى، لابن سعد (٦/ ٢٩٦)، والكاشف، للذهبي (١/ ٢٦٣).
(٤) أخرجه ابن جرير في تفسيره (٨/ ٣٠٨).
(٥) ذكره أبو الليث السمرقندي في تفسيره، معلقاً (٢/ ٣١٨).
(٦) المصدر السابق.
(٧) ذكره معلقاً: النحاس في معاني القرآن (٤/ ٣١١)، وابن عبد البر في التمهيد (٨/ ١٧٥). إلا أنه نُقِلَ عن الحسن خلاف ذلك؛ فقد روى عبد الرزاق في تفسيره (٣/ ٣)، ومن طريقه ابن جرير في تفسيره
(٨/ ٣٠٨)، أنه قال في تفسير قوله تعالى: (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) قال: "يرث نبوته وعلمه". وإسناده صحيح، وقد تقدم.
(٨) تفسير سفيان الثوري، ص (١٨١).
(٩) تفسير الطبري (٨/ ٣٠٨).
(١٠) ذكره أبو الليث السمرقندي في تفسيره معلقاً (٢/ ٤٩١).

<<  <   >  >>