للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المذهب الثاني: أنَّ القرآن سماها يثرب باعتبار ما كان معروفاً في الجاهلية، ونَهْيُ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان بعد ذلك.

وهذا تأويل الحافظ ابن عبد البر، حيث قال: "في هذا الحديث دليلٌ على كراهية تسمية المدينة بيثرب، على ما كانت تُسمى في الجاهلية، وأما القرآن فنزل بذكر يثرب على ما كانوا يعرفون في جاهليتهم، ولعل تسمية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها بطيبة كان بعد ذلك". اهـ (١)

فائدة:

حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - الوارد في المسألة ـ والذي يَدُلُّ بظاهره على كراهة تسمية المدينة بيثرب ـ جاء في الصحيح ما يَدُلُّ على خلافه، فعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ، فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ". (٢)

وللعلماء في الجواب عن هذا الحديث ثلاثة مذاهب:

الأول: أنَّ هذا كان قبل النهي.

وهذا جواب: القاضي عياض، والحافظ ابن حجر، والزرقاني. (٣)

الثاني: أنَّ هذا لبيان أنَّ النَّهْيَ للتنزيه لا للتحريم.

وهذا جواب العيني. (٤)

الثالث: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - سمَّاها يثرب باعتبار من لا يعرفها إلا بهذا الاسم، ولهذا جمع بينه وبين اسمه الشرعي فقال: المدينة يثرب.

وهذا المذهب حكاه النووي في شرح مسلم. (٥)


(١) التمهيد، لابن عبد البر (٢٣/ ١٧١).
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب المناقب، حديث (٣٦٢٢)، ومسلم في صحيحه، في كتاب الرؤيا، حديث (٢٢٧٢).
(٣) انظر على الترتيب: إكمال المعلم بفوائد مسلم، للقاضي عياض (٧/ ٢٣٠)، وفتح الباري، لابن حجر (٧/ ٢٦٩)، وشرح الزرقاني على موطأ مالك (٤/ ٢٧٦).
(٤) عمدة القاري، للعيني (١٦/ ١٥٣).
(٥) (١٥/ ٤٦).

<<  <   >  >>