للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حاكياً عن غيره، والصحيح جوازه، وعليه الجمهور من العلماء. (١)

وأمَّا أحاديث الباب - التي يُوهِمُ ظاهرها أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال شيئاً من الشِّعْر من تلقاء نفسه - فقد اختلفوا في الجواب عنها على مذاهب:

الأول: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك النظم اتفاقاً ولم يقصد به قرض الشِّعْر؛ والكلام قد يخرج موزوناً على وزن الشِّعْر من غير معرفةٍ أو قصدٍ من قائله.

وقد حكى ابن القطاع اللغوي (٢)، وأقَرَّهُ النووي، الإجماع على أنَّ شرط تسمية الكلام شِعْراً أنْ يَقْصُدَ له قائله. (٣)

ويرى أصحاب هذا المذهب أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقصد نظماً ووزناً فيكون شِعْراً، إذ قد يأتي في الكلام والقرآن ما يتَّزِن بوزن الشِّعْر وليس بشِعْر، كقوله تعالى: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) [آل عمران: ٩٢]، وقوله: (وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ) [سبأ: ١٣]، وقوله: (نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ) [الصف: ١٣]، وكثيراً ما يقع للعوام في كلامهم: المُقَفَّى الموزون، وليس بشِعْر، ولا يُسمى قائله شاعراً؛ لأنه لم يَقْصُده، ولا شَعُرَ به، والشِّعْرُ إنما سُمِّيَ بذلك؛ لأنَّ قائله يَشْعُرُ به، ويَقْصُده نظماً، ووزناً، ورَويّاً، وقافيةً، ومعنى. (٤)

وعلى هذا المذهب جماهير العلماء، من مفسرين ومحدثين، وممن قال به:

أبو عبيدة معمر بن المثنى (٥)، وابن قتيبة، وأبو الليث السمرقندي، والزمخشري، والمازري، والقاضي عياض، وابن عطية، والفخر الرازي، وأبو عبد الله القرطبي، والبيضاوي، وابن جزي، والطيبي، وأبو حيان، والذهبي، والحافظ ابن كثير، والزركشي، والحافظ ابن حجر، والسيوطي، وأبو السعود، والملا علي القاري، والمناوي، والشوكاني، والآلوسي،


(١) انظر: فتح الباري، لابن حجر (١٠/ ٥٥٧).
(٢) هو: علي بن جعفر بن علي السعدي الصقلي، ابن القطاع، أبو القاسم، شيخ اللغة، نزيل مصر ومصنف كتاب "الأفعال"، وله كتاب "أبنية الأسماء" وله مؤلف في العروض، وكتاب في أخبار الشعراء، توفي سنة (٥١٥هـ). انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي (١٩/ ٤٣٣).
(٣) انظر: شرح صحيح مسلم، للنووي (١٢/ ١٦٧)، والتلخيص الحبير، لابن حجر (٣/ ١٢٨).
(٤) انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي (٣/ ٦١٩)، وأعلام الحديث، للخطابي (٢/ ١٣٥٩ - ١٣٦٠).
(٥) رواه عنه بسنده: ابن قتيبة في "غريب الحديث" (١/ ٤٥٢).

<<  <   >  >>