للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمتكلمين. (١)

وأما حديث الباب - الذي يُوهِمُ ظاهره التعارض مع الآية - فإنَّ للعلماء في دفع التعارض بينه وبين الآية مسلكاً واحداً، وهو مسلك الجمع بينهما، والذي عليه جماهير أهل العلم من مفسرين ومحدثين - ولم أقف على قولٍ بخلافه -: أَنَّ معنى قوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣)) أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لا ينطق بشيء من أجل الهوى، ولا يتكلم بالهوى، وقوله تعالى: (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤)) يعني أَنَّ كل ما ينطق به من أمور الدين فهو وحي من الله؛ فإنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - معصومٌ عن الخطأ في كل ما يُبَلِّغُه عن الله تعالى من أمور الدين، كالأحكام الشرعية، وإخباره عن أمور الغيب والأمم الماضية، وأما قضية التأبير الواردة في حديث الباب فهي من أمور الدنيا التي لا تعلق لها بالدين، ورأيه - صلى الله عليه وسلم - في أمور الدنيا كغيره من الناس، فلا يمتنع وقوع الخطأ منه، ولا يَقْدحُ ذلك في معجزته - صلى الله عليه وسلم -، ولا يقلل من شأنه.

وممن قال بهذا الجواب:

الطحاوي، وابن حزم، والقاضي عياض، وابن الجوزي، وأبو العباس القرطبي، والنووي، والبيضاوي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، والمناوي، والآلوسي، والشنقيطي، وابن باز، وابن عثيمين. (٢)

قال ابن الجوزي: اعلم أَنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يتكلم بأشياء على سبيل الظن


(١) انظر: كشف الأسرار، للبخاري (٣/ ٢٠٥)، والفصول في الأصول، للجصاص (٣/ ٢٣٩).
(٢) انظر على الترتيب: مشكل الآثار، للطحاوي (٢/ ٤٢٦)، والإحكام في أصول الأحكام، لابن حزم (٥/ ١٣٠)، والشفا بتعريف حقوق المصطفى، للقاضي عياض (٢/ ١١٤ - ١١٥)، وكشف المشكل من حديث الصحيحين، لابن الجوزي (٣/ ٢٥٢ - ٢٥٣)، والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي (٦/ ١٦٧)، وشرح صحيح مسلم، للنووي (١٥/ ١٦٩ - ١٧٠)، وتفسير البيضاوي (٥/ ١٥١)، ومجموع الفتاوى، لابن تيمية (١٥/ ١٨٦)، ومفتاح دار السعادة، لابن القيم (٢/ ٢٦٧)، وفيض القدير، للمناوي (٢/ ٥٦٧)، وروح المعاني، للآلوسي (١٣/ ٩٠ - ٩١)، وأضواء البيان، للشنقيطي (١٠/ ٢٧٧)، ومجموع فتاوى ومقالات متنوعة، لابن باز (٦/ ٢٩١)، وتفسير سورة البقرة، لابن عثيمين (٣/ ٤١١).

<<  <   >  >>