للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بقضاء الدَّين الجائز، من الولد وغيره؛ فجعل ذلك هو العلة، وهو كونه قضاء شيء واجب عن الميت.

الثاني: أَنَّه قد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على جواز الحج عن الغير، حتى من غير الولد: فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ. قَالَ: مَنْ شُبْرُمَةُ؟ قَالَ: أَخٌ لِي، أَوْ قَرِيبٌ لِي. قَالَ: حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟ قَال: َ لَا. قَالَ: حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ، ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ". (١)

الثالث: أَنَّه قد ثبت في حديث عائشة: "أَنَّ من مات وعليه صيام صام عنه وليه"، والولي هو الوارث، سواء كان ولداً، أم غير ولد؛ وإذا جاز ذلك في الصيام، مع كونه عبادة محضة، فجوازه بالحج المشوب بالمال أولى وأحرى". (٢)

الرابع: أَنَّ كون السؤال جاء مقيداً في صدقةِ أو صومِ أو حجِ الولدِ عن والده؛ فإنَّ ذلك لا يعني تقييد الحكم به؛ لأَنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقيده بالولد، ولأَنَّا لا نَعْلم لو أَنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - سأله أخٌ عن أخيه، هل يجيبه بالجواز، أم لا؟

وأما حديث ابن عباس، في الصوم، وما ادعي عليه من الاضطراب؛ فالذي يظهر لي أَنَّ أحسن ما يُجمع به بين رواياته: أَنَّ السؤال وقع عن صوم نذر مطلق؛ وذلك لأَنَّ جميع الروايات - التي جاءت من طريق سعيد بن جبير - قد نصَّت على ذكر الصوم، ولما جاء - في طريق عبيد الله بن عبد الله - التنصيص على النذر دون تسميته، وجب تفسيره برواية سعيد بن جبير، التي نصت على أَنَّه في الصيام، ويؤكد هذا أَنَّ حديث بريدة وقع فيه السؤال عن صوم شهر، وجاء في حديث عائشة التنصيص على أَنَّ من مات وعليه صيام


(١) أخرجه أبو داود في سننه، في كتاب المناسك، حديث (١٨١١)، وابن ماجة في سننه، في كتاب المناسك، حديث (٢٩٠٣)، والبيهقي في السنن الكبرى (٤/ ٣٣٦)، والحديث صححه البيهقي، وابن الملقن في خلاصة البدر المنير (١/ ٣٤٥)، والحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (٢/ ٢٢٣).
(٢) انظر هذه الأوجه في: مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (٢/ ٣١٣).

<<  <   >  >>