للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بقياس، والذي منه في القرآن اختلف المفسرون في معناه، وأنكر ما قال بعضهم فيه كثيرٌ من السلف، وهذه الأخبار من كتب اليهود وافترائهم، كما نَصَّ الله أول الآيات، من افترائهم بذلك على سليمان، وتكفيرهم إياه». اهـ (١)

وقال أبو عبد الله القرطبي - بعد أنْ أورد القصة من طريق ابن عمر-: «هذا كله ضعيف، وبعيد عن ابن عمر وغيره، لا يصح منه شيء؛ فإنه قول تدفعه الأصول في الملائكة، الذين هم أُمناء الله على وحيه، وسفراؤه إلى رسله». اهـ (٢)

وقال الحافظ ابن كثير: «وقد رُويَ في قصة هاروت وماروت، عن جماعة من التابعين، كمجاهد، والسدي، والحسن البصري، وقتادة، وأبي العالية، والزهري، والربيع بن أنس، ومقاتل بن حيان، وغيرهم، وقصها خلق من المفسرين، من المتقدمين والمتأخرين، وحاصلها راجع في تفصيلها إلى أخبار بني إسرائيل؛ إذ ليس فيها حديث مرفوع صحيح متصل الإسناد إلى الصادق المصدوق المعصوم، الذي لا ينطق عن الهوى، وظاهر سياق القرآن إجمال القصة من غير بسط ولا إطناب، فنحن نؤمن بما ورد في القرآن، على ما أراده الله تعالى، والله أعلم بحقيقة الحال». اهـ (٣)

واستدل أصحاب هذا المسلك على بطلان القصة بأدلة، منها:

١ - قول الله تعالى: (مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ) [الحجر: ٨]، حيث قطع الله عز وجل أَنَّ الملائكة لا تنزل إلا بالحق، وليس شرب الخمر، ولا الزنا، ولا قتل النفس المحرمة من الحق، بل كل ذلك من الباطل. (٤)

٢ - قوله تعالى: (وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ (٨) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ (٩)) [الأنعام: ٨ - ٩]، حيث أبطل الله عز وجل أنه يمكن ظهور ملَكٍ إلى الناس إلا إلى الأنبياء. (٥)


(١) الشفا بتعريف حقوق المصطفى، للقاضي عياض (١/ ١٠٩).
(٢) تفسير القرطبي (٢/ ٣٦).
(٣) تفسير ابن كثير (١/ ١٤٦).
(٤) انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل، لابن حزم (٢/ ٣٢٣).
(٥) انظر: المصدر السابق.

<<  <   >  >>