للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«فأما من فسر الآية بأن المعنى أنَّ كل كتابي لا يموت حتى يؤمن بعيسى أو بمحمد عليهما الصلاة والسلام؛ فهذا هو الواقع، وذلك أنَّ كل أحد عند احتضاره ينجلي له ما كان جاهلاً به فيؤمن به، ولكن لا يكون ذلك إيماناً نافعاً له إذا كان قد شاهد الملك؛ كما قال تعالى: (وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآن) [النساء: ١٨]، وقال تعالى: (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِين (٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَاَ) [غافر: ٨٤ - ٨٥]، ومن تأمل هذا القول وأمعن النظر فيه اتضح له أنه هو الواقع، لكن لا يلزم منه أن يكون هو المراد من الآية، والله تعالى أعلم». (١)

الإيراد الثاني: على التسليم بأن الضمير عائد على عيسى عليه السلام؛ فإن هذا الإيمان إيمان اضطراري، بمعنى أنَّ أهل الكتاب يتحققون أنَّ عيسى عبد الله ورسوله، ومثل هذا لا ينفع صاحبه، كحالة الغرغرة فإن الإيمان لا ينفع عندها. (٢)

والجواب: أنَّ الآية لم تُفصل في هذا الإيمان، من حيث القبول والرد، فبقيت على إطلاقها بأن الإيمان نافع في زمن عيسى عليه السلام، ولا يصح تقييدها إلا بدليل.

الدليل الثاني: على أنَّ من أحدث إيماناً أو توبة في زمن عيسى عليه السلام قُبِلَ منه، حديث أبي هريرة، وفيه أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر عيسى ابن مريم فقال: « ... وَإِنَّهُ نَازِلٌ ... فَيَدُقُّ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، وَيَدْعُو النَّاسَ إِلَى الْإِسْلَامِ». (٣)


(١) انظر: تفسير ابن كثير (١/ ٥٩١).
(٢) انظر: النهاية في الفتن والملاحم، لابن كثير (١/ ١٧٢ - ١٧٣).
(٣) لفظ الحديث كاملاً: «الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ، وَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ نَازِلٌ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ، رَجُلًا مَرْبُوعًا إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ، عَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُمَصَّرَانِ، كَأَنَّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ، فَيَدُقُّ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، وَيَدْعُو النَّاسَ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمِلَلَ كُلَّهَا إِلَّا الْإِسْلَامَ، وَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمَسِيحَ =

<<  <   >  >>