للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالجواب: أنَّ لفظ: «فَيُقَاتِلُ النَّاسَ عَلَى الْإِسْلَامِ» هو بمعنى لفظ «وَيَدْعُو النَّاسَ إِلَى الْإِسْلَامِ» ولا فرق؛ لأن قتاله الناس على الإسلام إنما هو من أجل أن يسلموا، فمن أسلم كف عنه، ومن أبى قاتله، يدل على هذا المعنى حديث: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ .... » (١) ومعلوم أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يبعث للقتال وحسب، وإنما بعث لدعوة الناس للإيمان، والقتال إنما هو لمن أعرض وأبى.

وكذا الرواية الثانية هي بمعنى هذه الرواية، والله تعالى أعلم.

الدليل الثالث: ما ورد من أحاديث أنَّ المسلمين يقاتلون العدو في زمن الدجال، وزمن عيسى عليه السلام (٢)،

وقد جاء ما يفيد بأن التوبة لا تنقطع ما دام المسلمون يقاتلون العدو؛ فعن عبد الله بن وَقْدَانَ السَّعْدِيِّ (٣) أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لاَ تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا قُوتِلَ الْكُفَّارُ» (٤)، والهجرة لا تنقطع حتى تنقطع التوبة؛


(١) أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الإيمان، حديث (٢٥)، ومسلم في صحيحه، في كتاب الإيمان، حديث (٢٠).
(٢) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بِالْأَعْمَاقِ، أَوْ بِدَابِقٍ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنْ الْمَدِينَةِ مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ؛ فَإِذَا تَصَافُّوا قَالَتْ الرُّومُ: خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلْهُمْ. فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ: لَا وَاللَّهِ لَا نُخَلِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا؛ فَيُقَاتِلُونَهُمْ، فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لَا يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا، وَيُقْتَلُ ثُلُثُهُمْ أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللَّهِ، وَيَفْتَتِحُ الثُّلُثُ لَا يُفْتَنُونَ أَبَدًا، فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطَنْطِينِيَّةَ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْغَنَائِمَ قَدْ عَلَّقُوا سُيُوفَهُمْ بِالزَّيْتُونِ إِذْ صَاحَ فِيهِمْ الشَّيْطَانُ: إِنَّ الْمَسِيحَ قَدْ خَلَفَكُمْ فِي أَهْلِيكُمْ، فَيَخْرُجُونَ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ، فَإِذَا جَاءُوا الشَّأْمَ خَرَجَ، فَبَيْنَمَا هُمْ يُعِدُّونَ لِلْقِتَالِ يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ إِذْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ؛ فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَّهُمْ، فَإِذَا رَآهُ عَدُوُّ اللَّهِ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ، فَلَوْ تَرَكَهُ لَانْذَابَ حَتَّى يَهْلِكَ، وَلَكِنْ يَقْتُلُهُ اللَّهُ بِيَدِهِ فَيُرِيهِمْ دَمَهُ فِي حَرْبَتِهِ».
أخرجه مسلم في صحيحه، في كتاب الفتن وأشراط الساعة، حديث (٢٨٩٧).
(٣) هو: أبو محمد، عبد الله بن وقدان بن عبد شمس بن عبد ود بن نضر بن مالك بن حنبل بن عامر بن لؤي بن غالب. واسم وقدان: عمرو، ويقال: عمرو بن وقدان. يقال له ابن السعدى؛ لأن أباه استرضع في بني سعد بن بكر بن هوازن، صحب ابن السعدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قديماً، وقال: وفدت في نفر من بني سعد بن بكر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (ت: ٥٧ هـ). انظر: الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر
(٤/ ١١٣)، وصحيح مسلم بشرح النووي (٧/ ١٩٣).
(٤) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (١/ ١٩٢)، حديث (١٦٧١)، والنسائي في سننه، في كتاب البيعة، حديث (٤١٧٢)، وابن حبان في صحيحه (١١/ ٢٠٧).
قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٥/ ٢٥١): «رجال أحمد ثقات». وصححه الألباني في «صحيح الجامع» (٢/ ٩٢٧)، حديث (٥٢١٨).

<<  <   >  >>