للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إشراكاً في العبادة، ولا أنَّ الحارث ربهما؛ فإن آدم كان نبياً معصوماً من الشرك، ولكن قصد إلى أنَّ الحارث كان سبب نجاة الولد وسلامة أُمِّهِ، وقد يطلق اسم العبد على من يُراد به أنه معبود هذا، كالرجل إذا نزل به ضيف يُسمي نفسه عبد الضيف، على وجه الخضوع، لا على وجه أنَّ الضيف ربَّه، ويقول للغير أنا عبدك، وقال يوسف - عليه السلام - لعزيز مصر: (إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ) [يوسف: ٢٣] ولم يُرِدْ به أنه معبوده، كذلك هذا». اهـ (١)

القول الثاني: أنه كان شركاً في الطاعة، ولم يكن شركاً في العبادة.

وهذا هو المروي عن: ابن عباس رضي الله عنهما (٢)، وقتادة (٣).

القول الثالث: أنَّ الإشراك وقع من حواء لا من آدم عليه السلام، ولم يشرك آدم قط، وأما قوله: (جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا) [الأعراف: ١٩٠] بصيغة التثنية فلا ينافي ذلك؛ لأنه قد يسند فعل الواحد إلى الاثنين، بل إلى جماعة، وهو شائع في كلام العرب.

وهذا قول القنوجي. (٤) (٥)

واعتُرِضَ: بأن الله تعالى قال: (جَعَلاَ) حيث نسب الجعل إليهما، والأصل حمل اللفظ على ظاهره، وبأن آدم عليه السلام قد أقرَّ حواء على ذلك، وبأن في حديث سمرة - رضي الله عنه - التصريح بأنهما سمياه بذلك معاً. (٦)

أدلة هذا المذهب:

استدل القائلون بأن الآيات معنيٌّ بها آدم وحواء - عليهما السلام - بأدلة منها:

الدليل الأول: حديث سمرة - رضي الله عنه -، حيث أورده أصحاب هذا المذهب وجعلوه عمدة في تفسير الآيات، وقد صرح بعضهم بصحته، والبعض الآخر أورده وسكت عنه، وهو مشعر باعتماده له.


(١) تفسير البغوي (٢/ ٢٢١).
(٢) أخرجه ابن جرير في تفسيره (٦/ ١٤٥).
(٣) أخرجه ابن جرير في تفسيره (٦/ ١٤٥)، وابن أبي حاتم في تفسيره (٥/ ١٦٣٤).
(٤) هو: محمد صديق خان بن حسن بن علي بن لطف الله الحسيني البخاري القنوجي، أبو الطيب، ولد ونشأ في قنوج (بالهند) وتعلم في دهلي. وسافر إلى بهوبال طلباً للمعيشة، ففاز بثروة وافرة، وتزوج بملكة بهوبال، ولقب بنواب عالي الجاه أمير الملك بهادر. له نيف وستون مصنفاً بالعربية والفارسية والهندية. منها بالعربية: (أبجد العلوم) و (فتح البيان في مقاصد القرآن) عشرة أجزاء، في التفسير، و (نيل المرام من تفسير آيات الأحكام) وغيرها. (ت: ١٣٠٧ هـ). انظر: الأعلام، للزركلي (٦/ ١٦٧).
(٥) فتح البيان في مقاصد القرآن، للقنوجي (٢/ ٦٣٠).
(٦) انظر: روح المعاني، للآلوسي (٩/ ١٨٩).

<<  <   >  >>