للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَجْهٍ، وكَمَا وَرَدَتْ بِهِ الْآثَارُ الْمُتَعَدِّدَةُ، وَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ، إلَّا إذَا أُقِرَّ عَلَيْهِ، فَأَمَّا إذَا نَسَخَ اللَّهُ مَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ وَأَحْكَمَ آيَاتِهِ فَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ هُوَ خَطَأً وَغَلَطاً فِي تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ إلَّا إذَا أُقِرَّ عَلَيْهِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ مَعْصُومٌ فِي تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ أَنْ يُقَرَّ عَلَى خَطَأٍ، كَمَا قَالَ: «فَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ اللَّهِ بِشَيْءِ فَخُذُوا بِهِ فَإِنِّي لَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ» (١)، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا قَامَتْ الْحُجَّةُ بِهِ، فَإِنَّ كَوْنَهُ رَسُولَ اللَّهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ صَادِقٌ فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ عَنْ اللَّهِ، وَالصِّدْقُ يَتَضَمَّنُ نَفْيَ الْكَذِبِ وَنَفْيَ الْخَطَأِ فِيهِ. (فَلَوْ جَازَ عَلَيْهِ الْخَطَأُ فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ عَنْ اللَّهِ وَأُقِرَّ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ كُلمَا يُخْبِرُ بِهِ عَنْ اللَّهِ) (٢).

وَاَلَّذِينَ مَنَعُوا أَنْ يَقَعَ الْإِلْقَاءُ فِي تَبْلِيغِهِ فَرُّوا مِنْ هَذَا وَقَصَدُوا خَيْرًا وَأَحْسَنُوا فِي ذَلِكَ; لَكِنْ يُقَالُ لَهُمْ: أَلْقَى ثُمَّ أَحْكَمَ فَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ. فَإِنَّ هَذَا يُشْبِهُ النَّسْخَ لِمَنْ بَلَغَهُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ فَإِنَّهُ إذًا مُوقِنٌ مُصَدِّقٌ بِرَفْعِ قَوْلٍ سَبَقَ لِسَانُهُ بِهِ لَيْسَ أَعْظَمَ مِنْ إخْبَارِهِ بِرَفْعِهِ». اهـ (٣)

وقال الحافظ ابن حجر بعد أن قرر صحة الحديث: «وإذا تقرر ذلك تعين تأويل ما وقع فيها مما يستنكر، وهو قوله: «ألقى الشيطان على لسانه: (تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى)»؛ فإن ذلك لا يجوز حمله على ظاهره؛ لأنه يستحيل عليه - صلى الله عليه وسلم - أن يزيد في القرآن عمداً ما ليس منه، وكذا سهواً، إذا كان مغايراً لما جاء به من التوحيد، لمكان عصمته، وقد سلك العلماء في ذلك مسالك .... ».

ثم ذكر هذه المسالك، وقد نقلها من كتاب الشفا، للقاضي عياض، ثم قال بعد أن أورد التوجيه المذكور: «قال: وهذا أحسن الوجوه، ويؤيده ما تقدم في صدر الكلام عن ابن عباس (٤):

من تفسيره (تمنى)


(١) أخرجه مسلم في صحيحه، في كتاب الفضائل، حديث (٤٣٥٦).
(٢) هذه الجملة التي بين القوسين يظهر أن في آخرها سقطاً، ولم أهتدِ لتصويبه.
(٣) مجموع الفتاوى (١٥/ ١٩١)، وانظر: (١٠/ ٢٨٩ - ٢٩٢)، ومنهاج السنة النبوية (١/ ٤٧١)
و (٢/ ٤٠٩ - ٤١٠)، والجواب الصحيح (٢/ ٣٥).
(٤) أخرجه البخاري في صحيحه، معلقاً، في كتاب التفسير، سورة الحج. ووصله =

<<  <   >  >>