للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتعقبه أيضاً الفخر الرازي فقال: «وهذا ضعيف لوجوه: أحدها: أنه لو جاز هذا السهو لجاز في سائر المواضع، وحينئذ تزول الثقة عن الشرع. وثانيها: أنَّ الساهي لا يجوز أن يقع منه مثل هذه الألفاظ المطابقة لوزن السورة وطريقتها ومعناها، فإنا نعلم بالضرورة أنَّ واحداً لو أنشد قصيدة لما جاز أن يسهو حتى يتفق منه بيت شعر في وزنها ومعناها وطريقتها. وثالثها: هب أنه تكلم بذلك سهواً، فكيف لم ينتبه لذلك حين قرأها على جبريل عليه السلام، وذلك ظاهر». اهـ (١)

التأويل الثالث: أنَّ الشيطان ألجأ النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن قال ذلك بغير اختيار منه - صلى الله عليه وسلم -.

ذكره الحافظ ابن حجر دون نسبة. (٢)

وتعقبه الفخر الرازي فقال: «وهذا فاسد لوجوه: أحدها: أنَّ الشيطان لو قَدِرَ على ذلك في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - لكان اقتداره علينا أكثر، فوجب أن يزيل الشيطان الناس عن الدين، ولجاز في أكثر ما يتكلم به الواحد منا أن يكون ذلك بإجبار الشياطين. وثانيها: أنَّ الشيطان لو قدر على هذا الإجبار لارتفع الأمان عن الوحي لقيام هذا الاحتمال. وثالثها: أنه باطل بدلالة قوله تعالى حاكياً عن الشيطان: (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم) [إبراهيم: ٢٢] وقال تعالى: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٩٩) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ (١٠٠)) [النحل: ٩٩ - ١٠٠] وقال: (إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٤٠)) [الحجر: ٤٠] ولا شك أنه عليه السلام كان سيد المخلصين». اهـ (٣)

التأويل الرابع: أنَّ ذلك جرى على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - على سبيل السهو والغلط.

جاء ذلك في رواية أبي بكر بن عبد الرحمن. (٤)


(١) مفاتيح الغيب، للرازي (٢٣/ ٤٦).
(٢) فتح الباري، لابن حجر (٨/ ٢٩٤).
(٣) مفاتيح الغيب، للرازي (٢٣/ ٤٧)، وانظر: تفسير القرطبي (١٢/ ٥٦).
(٤) تقدم تخريجها في أول المسألة.

<<  <   >  >>