للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نقاشات الصحابة، وتعقب بعضهم البعض، رأيت دقة فهمهم، وسلامة صدورهم، واحترامهم للرأي الآخر، فهذه عائشة رضي الله عنها حينما ذُكِرَ عندها أن ابن عمر رفع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ» قَالَتْ: وَهَلَ؛ إِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّهُ لَيُعَذَّبُ بِخَطِيئَتِهِ وَذَنْبِهِ، وَإِنَّ أَهْلَهُ لَيَبْكُونَ عَلَيْهِ الْآنَ». قَالَتْ: وَذَاكَ مِثْلُ قَوْلِهِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ عَلَى الْقَلِيبِ، وَفِيهِ قَتْلَى بَدْرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ؛ فَقَالَ لَهُمْ مَا قَالَ: «إِنَّهُمْ لَيَسْمَعُونَ مَا أَقُولُ»، إِنَّمَا قَالَ: «إِنَّهُمْ الْآنَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّ مَا كُنْتُ أَقُولُ لَهُمْ حَقٌّ»، ثُمَّ قَرَأَتْ: (إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى) [النمل: ٨٠] و (وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) [فاطر: ٢٢]».

فهذه عائشة قد أنكرت على ابن عمر قوله، على علم ومسمع من الصحابة، ومع علمهم وسماعهم لحديث ابن عمر، ولم نجد أحداً منهم شنَّع على عائشة أو رماها بسوء، مما يؤكد تحلي الصحابة رضوان الله عليهم بالأدب الجم في التعامل مع المخالف، وسلامة صدورهم واحترام بعضهم البعض، وإن مما ابتليت به الأمة في هذه الأزمنة ضيق العطن وعدم قبول رأي الآخر، والتشنيع على المخالف وإن كان له مستند من دليل شرعي، مما أوغر الصدور وزاد في الفرقة، والله المستعان.

١٩ - من خلال الدراسة لم أقف بحمد الله على نصين متعارضين استحال الجمع بينهما، أو نص مشكل استحال حل إشكاله، وهذا مما يؤكد قطعية النصوص الشرعية، وأنها حق من عند الله تعالى، لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وإن رام الأعداء هدم هذا الدين، والنيل منه، إلا أن الله متم نوره ولو كره الكافرون.

٢٠ - أن معرفة مقاصد الشريعة يعد من الأهمية بمكان، بل هو الفقه الحقيقي، وأما النظر المجرد في النصوص الشرعية دون إلمام بمقاصدها ففيه قصور يوقع الفقيه في حيرة وتناقضات، وربما قاده فهمه الخاطئ إلى انحراف في السلوك أو الاعتقاد.

٢١ - من خلال الدراسة تبين أهمية معرفة الأدوات والأساليب اللغوية التي كان العرب يتخاطبون بها، وقد نزل القرآن بلغتهم وخاطبهم بالأساليب التي تعارفوا عليها، فيجب على الناظر في تفسير آيات القرآن الكريم أن يكون

<<  <   >  >>