وقوله:(يقبض يبسط) : (يقبض) هذه صفة أخرى من الصفات الفعلية فالله سبحانه وتعالى، وهذا الفعل يشمل عدة أمور: فهو سبحانه يقبض الأرواح بإرسال الملك المكلف بها: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ}[الأنعام:٦١] ، ويقبض السماوات والأرضين يوم القيامة كما قال تعالى:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}[الزمر:٦٧] ، ويقبض الشمس فيذهب الظل مع النهار كما في قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً * ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً}[الفرقان:٤٥-٤٦] ، ويقبض الرزق، وهذا النوع من القبض هو المقصود هنا وهو المقابل للبسط، يقبضه فيزويه عمن يشاء، وهذا يشمل أمرين: الأول: إزاحة الأموال مثلما حصل لصاحب الجنتين في سورة الكهف، وهذا من قبض الله عز وجل، والثاني: عدم إزاحتها ولكن انتقال الرزق منها، فيكون المال موجوداً لكن ينتقل الرزق منه، كحال آل فرعون:{كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ}[الدخان:٢٥] وكثير من الناس يعطى مالاً يتصرف فيه لكن لا يرزق به ولا يقدمه لآخرته حتى ينتفع به، ولا ينتفع به في رفاهية نفسه في الدنيا، بل يحال بينه وبينه حيلولة مطلقة.
وهذا القبض هو المقابل للبسط، والبسط: هو الذي يتعلق بالرزق في قول الله تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ}[الشورى:٢٧] .
وهذا القبض والبسط وإن كان في المحسوسات كقبض الأرزاق وبسطها, فإنهما أيضاً يتعلقان بالسعادة النفسية, ويتعاقبان على النفوس, فالنفوس تارةً تشهد تجليات القبض، وتارةً تشهد تجليات البسط, فتجد الإنسان في بعض الأحيان مرتاحاً جداً ولا يدري سبباً لذلك, وتجده منقبضاً أحياناً أخرى ولا يدري سبباً لذلك، وهذا من تجليات القبض والبسط.
ولهذا يقول شيخي رحمه الله: القبض والبسط في الأكوان شيئان على مراد الفتى قد لا يجيئان يتعاقبان لكل منهما أجل هذا بآن وهذا بعض في آن لجوهر البسط في آن على أحد فآنه المختفي في مظهر الثاني والعسر لا يغلب اليسرين منفرداً فالعسر فرد وإن اليسر يسران لا تجزعن ولا تفرح لحادثة فإن دارك دار ذات ألوان وراع في كل حال ما يناسبها ولا تشح بفان أيها الفاني