ما يتجدد من الاكتشافات العلمية ونحوها، هل يخبر بها الناس يوم القيامة حتى يستوي في علمها المتقدمون والمتأخرون، أم تبقى حكراً على المتأخرين الذين عرفوها في الدنيا ولا يعلم بها من مضى؟
الجواب
أن هذا راجع لتقسيم الأرزاق، فالله سبحانه وتعالى يكتب لكل طائفة من الرزق ما يشاء لها، وكل قوم يقدر لهم من الرزق ما يتناسب معهم، ولذا فقد تجدد من الأرزاق وأنواع المعاشات والسكن واللباس والمراكب وغير ذلك ما حرمه السابقون، وفي الجنة يعوض الجميع خيراً مما كانوا فيه، حتى الذين نعموا بأرقى أنواع المعاش إذا دخلوا الجنة كأن لم ينالوا أي شيء مما يحبونه.
وبالنسبة لمجرد إطلاعهم على هذه الأمور لم يرد به نص، فالأصل عدم ذلك، لكن يبدو أن بعض الرسل قد أخبروا بشيء من هذه الأمور، ولذلك جاءت كثير من نصوص الوحي تدل على بعض الإعجاز العلمي الحالي، وعلى كثير من الأمور التي لم تكن تعرف في الزمان الأول وهي من الإعجاز العلمي الموجود، مثل: عدد مفاصل الإنسان، هذا لا يمكن أن يعرف في القديم، وقد عرف بالوحي، ومثل: الإخبار بالظلمات التي في البحر، قال تعالى:{فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ}[النور:٤٠] ، وهذا كان سبباً لإسلام أحد العلماء الكبار؛ لأنه درس البيئة التي عاش فيها النبي صلى الله عليه وسلم وهذا لم يكن موجوداً فيها؛ إنما هو في القطبين الشمالي والجنوبي، ولم يقصدهما قطعاً، ولا علم له بهما، وقد نزل الوحي بهذا.
فإن هذا الظلام الدائم في هذا المكان هو في القطب الشمالي حيث يمكث ستة أشهر كاملة لا تطلع عليه الشمس بسبب الغيوم المتراكمة، وهكذا أيضاً نفس الشيء في القطب الجنوبي.
والإعجاز العلمي في هذا كثير جداً لا حصر له، وكثير منه بدأ الناس اليوم يكتشفونه ويظنونه مكتشفاً جديداً، ويكون قد جاء بالوحي، مثل العلاجات النبوية بالعسل وغيره، ونحو ذلك.
وتطاول الناس في البنيان هذا ما عرف في العصور القديمة، إنما عرف في زماننا هذا، والتطاول معناه أن يقول المتطاول: هذا أكبر مني داراً فلابد أن أطيل داري، وهكذا، قال صلى الله عليه وسلم في ذكر أمارات الساعة:(وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان) .
وكذلك الإخبار ببعض ما سيحصل من التطور الحضاري في بعض الأماكن بخصوصها، مثل فتح العراق، واليمن، والشام، حيث أخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم وبما سيقع من أمور ستحصل، وأخبر أيضاً عن أمور غيبية في المدينة وفي مكة وفي غيرهما، كقوله صلى الله عليه وسلم:(إذا رأيت بنيان مكة يطاول جبالها فاعلم أن الأمر قد أظلك) ، وفي الحديث الآخر:(إذا تبعجت بطون مكة كظائم فاعلم أن الأمر قد أظلك) وهذه الأمور قد حصلت الآن.
السؤال: ومعنى الحديث: إذا تبعجت بطون مكة كظائم: أن مكة كانت وادياً غير ذي زرع كما وصفها الله بذلك في قوله: {بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ}[إبراهيم:٣٧] ، فلم يكن الناس يزرعون فيها ولا يحرثون، فإذا كانت بطونها وأوديتها كظائم معناه: جنات ومزارع، (فاعلم أن الأمر قد أظلك) ، أي: أن الساعة قد اقتربت.