أما الاصطفاء الخاص: فهو اختيار الفرد من العنصر، وهذا هو اصطفاء رسل الله من الملائكة والبشر دون غيرهم من الأجناس حيث قال الله تعالى:{اللَّهُ يَصْطَفِي مِنْ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنْ النَّاسِ}[الحج:٧٥] ، وهذا الذي ذكره الشيخ هنا في قوله:(قد اصطفى من ملك) معناه: من جنس الملائكة ملك، (ومن بشر) معناه: من جنس بني آدم.
والملك أصله مألكٌ مشتق من المألكة التي هي الرسالة؛ وذلك أنهم رسل الله يرسلهم بما شاء إلى خلقه، والمألُكة والمألكة بمعنى الرسالة: ومنه قول عدي بن زيد: أبلغي النعمان عني مألُكاً أنني قد طال حبسي وانتظاري لو بغير الماء حلقي شبق كنت كالغصان بالماء اعتصاري مألُكة بمعنى رسالة، وخفف فسمي ملكاً.
وأطلق على جنس بني آدم بشراً؛ لأنه الجنس من الحيوان الذين لم تغط بشرتهم بالشعر، أما بقية الحيوانات فقد غطي بشرها بالشعر.
وقيل: مشتق من البشر لظهور البشر على وجوههم؛ لأنهم إذا استبشروا ظهر البشر على وجوههم.
والبشر أطلق في القرآن على جنس البشرة، ومن ذلك قول الله تعالى:{لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ}[المدثر:٢٩] ، فالمقصود أنها تزيل الجلود نسأل الله السلامة والعافية.
(رسلاً) جمع رسول، والمقصود بهم من حمل رسالة من عند الله سبحانه وتعالى، ويجوز فيها الإسكان والضم يقال:(رسْلاً مبشرين ومنذرين) ويقال: (رسُلاً مبشرين ومنذرين) بالضم، ويجوز الإسكان في غير القرآن فيقال: رسْلاً أيضاً.
فهي جمع تكسير وفيها نوعان من أنواع التكسير: أحدهما تغير الشكل، والثاني النقص.
وأنواع التكسير إما نقص فقط أو زيادة فقط أو تغير شكل فقط، أو نقص وتغير شكل، أو نقص وزيادة، أو نقص وتغير شكل وزيادة هذه ستة، وقد تكون مصرحاً بها، وقد تكون مقدرة، فالجميع أثنا عشر نوعاً، والمذكور هنا اثنان منها في قوله: رسلاً.
(فأدوا عنه ما به أمر)(فأدوا) أي: بلغوا وائتمنوا على أمانات الله التي ائتمنهم عليها فأدوها إلى الناس، وهذا واجب، فمن صفات الرسل التي يجب الإيمان بها الصدق والأمانة والتبليغ، وهذه الصفات الثلاث يشملها قوله:(فأدوا عنه ما به أمر) .