للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إثبات صفة الأخذ لله عز وجل]

(يأخذ منا الصدقات) : هذه صفة أخرى من صفات الله سبحانه وتعالى وهي صفة الأخذ، وهذه الصفة متعددة المتعلق: فالمتعلق الأول: أن يأتي أخذ الصدقات بمعنى قبولها، فالله سبحانه وتعالى هو الذي يأخذ الصدقات بمعنى: يتقبلها، وقد جاء في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صح عنه أنه قال: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وما تصدق عبد من كسب طيب إلا كان كأنما وضعها في كف الرحمن، ولا يزال ينميها له كما ينمي أحدكم فلوه أو فصيله حتى تكون كالجبل) فمن تصدق من كسب حلال كأنما وضع صدقته في كف الرحمن، يعني: يأخذها الله منه ويتقبلها، ويكون قرضاً حسناً عند الله عز وجل، فلذلك لا يزال الله ينمي له صدقته هذه ويضاعف له أجرها بحسب انتفاع الناس بها أبد الآبدين، (كما ينمي أحدكم فلوه) أي: كما يربي أحدكم فلوه، أي: ولد فرسه (أو فصيله) أي: ولد ناقته، حتى تكون هذه الصدقة كالجبل، وتنمية الله عز وجل ليست مثل تنمية البشر، فيبارك فيها ويضاعفها أضعافاً مضاعفة وهكذا، فلذلك قال: (يأخذ منا الصدقات) .

أما المتعلق الثاني: فالأخذ بمعنى الإذلال، فالله سبحانه وتعالى يأخذ أعداءه أخذ عزيز مقتدر، ومعنى ذلك: أن يهلكهم بأخذ البغتة، وقد ذكر سبحانه وتعالى أمثلة لذلك، كأخذه لقوم نوح بالطوفان، وأخذه لقوم هود بالرياح، وأخذه لقوم صالح بالصيحة، وأخذه لغيرهم من الأمم، وهذا هو الأخذ الوبيل الذي يأخذ به أعداءه وهو الذي ينبغي أن يخافه أهل الإيمان دائماً وأن لا يأمنوا مكر الله: {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:٩٩] .

إذاً: هذان متعلقان بصفة الأخذ، الأول: أخذ بمعنى القبول، والثاني: أخذ بمعنى الإذلال.

<<  <  ج: ص:  >  >>