[كلم موسى بكلامه اتخذ خليلاً إبراهيم مَن أوَّل شذ] يقول: إن أبلغ الأدلة على أن الكلام اللفظي كلام الله وليس دلالة على كلام الله أو دلالة على ما يدل عليه كلام الله: أنه كلم موسى بكلامه، فهذا الكلام قطعاً صفة ذاته لا خلق من خلقه؛ فلذلك قال:(كلم موسى بكلامه) وقد صرح بذلك في كتابه فقال سبحانه: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً}[النساء:١٦٤]{وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ}[الأعراف:١٤٣] وهذا تشريف وتفضيل لموسى عليه السلام حيث اجتباه الله برسالاته وبكلامه، وهذا الاجتباء قال أهل العلم: يحصل للإنسان به من الشرف الدنيوي سعادة الدنيا؛ لأن سعادة الآخرة: هي إدراك الإنسان ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وسعادة الدنيا: هي منتهى اللذة بحيث تنقطع عنه كل آلامه، ويصل إلى أقصى آماله، فهذا يحصل بتكليم الله عز وجل.
لكن قالوا: إن أهل الإيمان من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم إذا قرءوا القرآن بتدبر وصلوا إلى هذه السعادة، فإنهم يعلمون أن الله يخاطبهم فيقول:(يا أيها الذين آمنوا) فيقولون: لبيك ربنا وسعديك والخير كله بيديك، فيشعرون أن الله يخاطبهم وأنهم داخلون في ذلك، وإذا سمع أحدهم قول الله تعالى:{قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}[الزمر:٥٣] يقول: لبيك اللهم لبيك! ويعلم أنه داخل في هذا الخطاب وأن الله وجه إليه هذا الكلام، فينال في ذلك لذة وسعادة عجيبة تقضي على كل شيء بعلمه أن الله يخاطبه ويكلمه.
فالمزية التي يغبط عليها موسى عليه السلام: أن الله كلمه، ويحصل المؤمن على مستوى منها حين يعلم أنه داخل في خطاب الله له حين كلمه.