[إثبات صفتي السمع والبصر لله فيه إثبات كمال علمه وإدراكه تعالى]
ٍ [فهو السميع والبصير المتصف بما به في نوعي الوحي وصف](فهو السميع) معناه: المتصف بصفة السمع، والسميع في اللغة: يطلق على السامع وعلى المسمع، فالسامع الذي لا يفوته شيء يسمى سميعاً، والمسمِع -أي: المنادي- الذي يسمع الناس يسمى سميعاً أيضاً، وذلك أن فعيلاً تستعمل بمعنى فاعل وبمعنى مفعول، فالسميع بمعنى السامع هي الكثيرة في الاستعمال مثل قول الله تعالى:{وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[الشورى:١١] والسميع بمعنى المتكلم المسمع منه قول عمرو بن معدي كرب رضي الله عنه: أمن ريحانة الداعي السميع يؤرقني وأصحابي هجوع أي: الداعي المسمع.
(والبصير) : المتصف بصفة البصر.
وهاتان الصفتان بهما كمال العلم والإدراك، فالسميع يتعلق سمعه بالأصوات، والبصير يتعلق بصره بالمبصرات، وقد ذهب بعض المتكلمين مبالغةً منهم في التنزيه إلى أن سمع الله سبحانه وتعالى يتعلق بالأصوات وبالمحسوسات كلها، وأن بصره كذلك يبصر الذات والمعنى، ولكن هذه المبالغة في التنزيه مبالغة في إثبات مخالفته للحوادث، وفيه يقول أحدهم: وأنت بصير تبصر الذات والمعنى.
لكن هذا لا دليل عليه، وإنما أخذوه من نفي مشابهته لخلقه، فإنه لما كان سمع الحادث يتعلق بالأصوات فقط، وبصره يتعلق بالذوات فقط، أرادوا إثبات المخالفة له، لكن المخالفة لا تقتضي أن تكون من حيث المتعلق فقط، بل المخالفة من حيث مصدر السمع ومصدر البصر ونحو ذلك، فمصدر السمع والبصر بالنسبة للمحسوسات في الإنسان الأذن في السمع والعين في البصر، والله سبحانه وتعالى لا يمكن أن يقاس بخلقه، ولا يمكن أن يشبه بهم، فمجرد إثبات السمع له لا يقتضي إثبات الأذن، وإن كان جاء في الحديث:(وما أذن الله لشيء أذنه إلى قراءة نبي حسنة، أو: إلى نبي حسن الصوت بالقرآن) وسنذكر هذا إن شاء الله تعالى، لكن الأذن هنا بمعنى الاستماع، ولا يقتضي إثبات صفة الأذن.