أقسام الطوائف الذين قاتلوا علياً رضي الله عنه وموقف ابن عمر رضي الله عنه من ذلك
السؤال
ما هو موقف ابن عمر رضي الله عنه فيما حصل بين الصحابة رضوان الله عليهم؟ وهل كان هذا الموقف متفقاً عليه أو كان محل خلاف؟
الجواب
كان محل خلاف؛ فالطائفتان المتقاتلتان كانتا تريان الخوض في الأمر والمناقشة فيه والمجادلة، ولذلك فإن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يستشهد الصحابة على أمر الرسول صلى الله عليه وسلم له بمقاتلة الخوارج، وبمقاتلة الناكثين والخارجين والمارقين.
فهو يفهم ذلك على أن الناكثين هم: من خرج مع طلحة والزبير رضي الله عنهما وقد بايعوه، ورأى أنهم نكثوا بيعته.
والخارجين: يقصد به أهل الشام الذين خرجوا عن بيعته.
والمارقين: هم الخوارج الذين مرقوا من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية.
فإذاً: هذه ثلاثة أقسام: القسم الأول: الناكثون، وهم أهل حق لا غبار عليهم، بل أكثرهم من أهل الجنة مقطوع بذلك.
القسم الثاني: الخارجون، وهم طائفة باغية عليه، يعني: فئة باغية من أهل الإسلام ومن أهل الخير والصلاح، وفيهم من هو من أهل الجنة قطعاً أيضاً.
أما القسم الثالث: فهم المارقون.
فهو رأى قتال هذه الطوائف الثلاث، واستدل بأمر النبي صلى الله عليه وسلم له، واستدل على الزبير بحديث: (تقاتله وأنت له ظالم) ، واستدل عليه أيضاً في قتال الخوارج بأنه قال: (بل يقتلهم خاصف النعل) ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في طريق فانقطع شسع نعل علي رضي الله عنه، فجعل يخصف نعله، فذكر الرسول صلى الله عليه وسلم الخوارج ومروقهم من الدين، وأن من قتلهم له أجر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لو شهدهم لقتلهم كقتل عاد وإرم، فقال: (أأقتلهم؟ قال: بل يقتلهم خاصف النعل) ، يقصد بذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهذا تشريف له، وكل واحد من الخلفاء الراشدين له ميزة اختص بها.
فمذهب ابن عمر رضي الله عنه هو اعتزال القضية بالكلية، وهذا الذي رآه هو، ورآه أسامة بن زيد، ورآه سعد بن أبي وقاص، وغيرهم من كبار الصحابة رأوا هذا الرأي، لكن كان مع علي في رأيه ثمانمائة ممن بايع تحت الشجرة بيعة الرضوان، وكلهم مقطوع بأنهم من أهل الجنة، ويجب الإيمان بأنهم من أهل الجنة.
وكان كذلك مع معاوية رضي الله عنه عدد كبير من الصحابة رضوان الله عليهم، وكان في أهل الجمل من هو مقطوع بأنه من أهل الجنة، كـ عائشة والزبير وطلحة، وكان في الفئة الأخرى مع علي رضي الله عنه عدد مقطوع بأنهم من أهل الجنة.
فإذاً: لم تكن القضية محل اتفاق، لكن كان مذهب هؤلاء هو اعتزال الطائفتين، وقد استمر عليه ابن عمر حتى بعد هذا، حتى في معركة كربلاء، وكان إذا ذكرت له معركة كربلاء يقول: {قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [الزمر:٤٦] ، ولا يخوض في أمرها، مع أنه نصح الحسين رضي الله عنه ألا يتوجه إلى العراق.
وحين دخل على عائشة بعد الجمل قال: لوددت أنك ما خرجت، فقد كنت أعلم عاقبة الأمر.
فقال: لمَ لم تنصحني يا أبا عبد الرحمن؟! قال: رأيت رجلاً قد غلب عليك.
يقصد: أن عبد الله بن الزبير غلبها على رأيها.
فـ ابن عمر كان يقدر هذه الظروف، ولذلك لم يبايع لأحد بعد بيعته لـ علي في المدينة إلى أن بايع عبد الملك بن مروان، وبيعته لـ عبد الملك مروية في صحيح البخاري، فإنه كتب إليه بذلك.
ولم يبايع معاوية رضي الله عنه، وحين طلب معاوية بيعة أهل المدينة من جديد امتنع ابن عمر عنها، وهكذا امتنع عبد الرحمن بن أبي بكر والحسين وعبد الله بن الزبير عن تلك البيعة من جديد.