[انقسام الأشياء من حيث الغنى والحاجة إلى المحل والمخصص]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال شيخنا حفظه الله في منظومته في الأسماء والصفات: [وهو تعالى أحد فرد صمد ألحد من قال بخلقه اتحد] بالنسبة للفظ (الفرد) فقد جاء في أحاديث ولم يرد في القرآن، وأما (الصمد) فإن صفة الصمدية مثبتة له، وهي الغنى المطلق عن خلقه، والغنى المطلق معناه: الاستغناء عن المحل والمخصص جميعاً.
والأشياء فيما يتعلق بالحاجة والغنى عن المحل والمخصص أربعة أقسام: النوع الأول: ما يحتاج إلى المحل والمخصص معاً: وهو صفات المخلوقين، فهي محتاجة إلى المحل الذي تقوم به؛ لأنها صفة والصفة لا تقوم بنفسها بل تحتاج إلى محل تكون فيه، وذلك مثل البياض والسواد، والطول والقصر، فهذه لا بد لها من ذات تقوم بها، وتحتاج إلى المخصص.
والمخصص المقصود به الخالق الذي يميز هذا المخلوق بست من اثنتي عشرة، وهي المسميات من الممكنات المتقابلات.
والممكنات المتقابلات هي: إما الوجود وإما العدم وهما متقابلان فيخصصه بواحدة منهما.
والصفات مثلاً البياض والسواد، صفتان متقابلتان يخصصه بواحدة منهما.
والأمكنة: هذا المكان والمكان الآخر كل ذلك ممكن فيخصصه الله تعالى بواحد منهما.
والأزمنة: اليوم وأمس وغداً، هذه أزمنة متقابلة يخصصه بما شاء منها.
والجهات: الشرق والغرب، والجنوب والشمال، والفوق والتحت ونحو ذلك، هذه جهات متقابلة يخصصه بما شاء منها.
المقادير: الضخامة والصغر، الكبر والصغر، وكذلك الزيادة والنقص، وغيرها من المقادير، وهي متقابلة وكلها ممكنة، فالشيء قبل وجوده يمكن في حقه ست من اثنتي عشرة، وهي الممكنات المتقابلات التي ذكرناها، وقد نظمها أحد العلماء بقوله: الممكنات المتقابلات وجودٌ العدمُ والصفات أمكنة أزمنة جهات ثم المقادير روى الثقات هذه الاثنتا عشرة كلها ممكنة عقلاً، كل اثنتين منها ممكن عقلاً أن يتصف بإحداهما، فمثلاً هذا ولد يولد لرجل فيمكن في حقه هذه الاحتمالات كلها: الوجود والعدم، والطول والقصر، والبياض والسواد، الوجود في هذا المكان وفي مكان آخر، في الليل أو في النهار، هذه كلها ممكنة، والذي يخصصه ببعضها هو المخصص، وهو الخالق، والشيء قبل أن يكون كان بالإمكان أن يكون وألا يكون، فلما كان دل ذلك على رجحانه، ولا ترجيح بدون مرجح، فالمرجح هو المخصص.
ومن هنا فإن صفات المخلوق محتاجة إلى المحل ومحتاجة إلى المخصص، فمثلاً: الفهم، هذا صفة من صفات المخلوق، لا يمكن أن يقوم بنفسه، أي: لا يمكن أن تجد فهماً يمشي في الشارع ليس له ذات يدخل فيها، ويحتاج أيضاً إلى مخصص؛ لأنه بالإمكان أن يكون كبيراً وأن يكون قليلاً وكذلك يمكن وجوده وعدمه إلى آخر الصفات، فإذا وجد وكان بقدر معين فهذا دليل على أن المخصص أراد له ذلك وخصصه به.
النوع الثاني: ما يحتاج إلى المخصص لكنه غني عن المحل: وهو ذات المخلوق: ذات المخلوق لا تحتاج إلى ذات أخرى تقوم بها، لكنها محتاجة إلى المخصص الذي يخلقها، ويميزها بالصفات التي تحتاج إليها، فهذا هو الفرق بين ذات المخلوق وصفات المخلوق، فصفات المخلوق تحتاج إلى الأمرين معاً (المحل والمخصص) ، وذات المخلوق تحتاج إلى المخصص لكن لا تحتاج إلى المحل.
النوع الثالث: ما هو غني عن المحل وعن المخصص معاً: وهو ذات الله سبحانه وتعالى: فإنه غني عن المحل وعن المخصص معاً، لا يحتاج إلى المحل لأن له ذاتاً، ولا يحتاج إلى المخصص لأنه قديم.
النوع الرابع: صفات الله سبحانه وتعالى، فهذه غنية عن المخصص؛ لأنها قديمة، لكن هي قائمة بالمحل، ولا يقال محتاجة إلى المحل؛ لكن يقال: قائمة بالمحل؛ لأنها لا تفارق ذاته تعالى.
فإذاً الأشياء كلها أربعة أقسام: ما يحتاج إلى المحل والمخصص معاً، وما يستغني عن المحل والمخصص معاً، وما يحتاج إلى المحل فقط، وما يحتاج إلى المخصص فقط، فإذاً هذه أربعة أقسام، قد نظمها الشيخ محمد بن فال المتتالي رحمه الله بقوله: الأشياء أربع فمنها غني عن المحل والمخصص الغني وضده وهو صفات الخلق وقام بالمحل وصف الحق وما إلى المخصص احتاج فقط فهو بذات حادث قد ارتبط