[إثبات صفة الكره والمقت لله عز وجل]
(يكره) : كذلك من صفات الأفعال صفة الكره, فالله سبحانه وتعالى يكره بعض الذوات وبعض الأفعال, فهذه الصفة تتعلق ببعض الذوات وبعض الأفعال, فبعض الذوات مكروهة لدى الله سبحانه وتعالى كأهل النار، فإنه كرههم ومقتهم, وكذلك بعض الأفعال مكروهة عند الله تعالى كما قال الله تعالى: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً} [الإسراء:٣٨] , وفي القراءة السبعية الأخرى: (كل ذلك كان سيئةً عند ربك مكروها) , فهذا الذي يكرهه الله عز وجل من الأعمال هو ما لا يرتضيه لعباده، وهذا يشمل المحرمات التي حرمها عليهم، والمكروهات التي نهاهم عنها نهياً دون تحريم, ولذلك صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن ربكم حرم عليكم وأد البنات، وعقوق الأمهات، ومنعاً وهات، وكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال) فالمحرم والمكروه كلاهما مكروه بهذا المعنى، وكلاهما متعلق بهذه الصفة التي هي صفة الكراهة.
(يمقت) : وهذه صفة فعلية أخرى موافقة في متعلقها للصفة السابقة, فالمقت -نسأل الله السلامة والعافية- أشد من الكره, والله سبحانه وتعالى يمقت بعض الذوات ويمقت بعض الأفعال, فبعض الأفعال مقيتة عنده -أي: مكروهة عنده- وبعض الذوات كذلك مقيتة عنده, ولذلك صح في صحيح مسلم من حديث عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه في الحديث الطويل الذي رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم غير بقايا من أهل الكتاب، وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك) , أي: مقت أهل الأرض جميعاً إلا بقايا من أهل الكتاب حافظوا على ديانتهم، وبقوا في الأديرة والمتعبدات منقطعين عن الناس.
ومقت الله عز وجل له أمارات تظهر على العبد, فإذا مقته الله كرهه الناس، كما ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أحب الله عبداً نادى جبريل: إني أحب فلاناً فأحبه فيحبه جبريل, ثم ينادي به في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض) , قال سفيان بن عيينة -أحد رواة هذا الحديث- ولا أراه إلا قال في البغض مثل ذلك، ومعناه: إذا مقت الله عبداً نادى جبريل، وقد جاء التصريح بذلك في رواية أخرى غير رواية سفيان بن عيينة: (إذا مقت الله عبداً نادى جبريل إني أكره فلاناً, فيبغضه جبريل، ثم ينادي به في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه فيبغضه أهل السماء, ثم يوضع له المقت في الأرض) -نعوذ بالله- فيكون ممقوتاً لدى أهل الأرض.
فالمقصود من مقت أهل الأرض: مقت أهل الإيمان منهم, لا مقت عوامهم وجمهورهم, فأكثرهم لا يؤمنون, فأهل الإيمان منهم يجدون أن نفوسهم المؤمنة لا تطمئن إلى هؤلاء الأشخاص، وتكرههم بسبب أعمالهم, وليس معنى ذلك: أن كل أهل الأرض سيبغضونهم، بل سيجتمع عليهم أولياؤهم الذين يزيدونهم غواية فيما هم فيه.
ونلاحظ أن الصفتين السابقتين وهما (يكره ويمقت) ليستا من الصفات المتقابلة كما ذكرنا, فبينهما توافق لا تقابل, بخلاف: يخفض يرفع، يعز ويذل, فهذا فيه تقابل.