قال الناظم رحمه الله:[وما له معين أو ظهير وما له ند ولا نظير] قوله: (وما له معين أو ظهير) ، قد نفى الله سبحانه وتعالى عن نفسه الكفء في قوله:{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}[الإخلاص:٤] ، وهذا نافٍ لأن يكون له معين من خلقه، فلا يمكن أن يستعين بأحد من خلقه؛ فهو القادر على ما يشاء لا يحتاج إلى أحد من خلقه.
وكذلك الظهير، فالظهير هو الذي يشد الظهر أو يساعد الإنسان على أن يحتاج به إلى قوة، والله سبحانه وتعالى لا يحتاج إلى ذلك، وأما ما يوهم ذلك من الآيات مثل قوله تعالى:{وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا}[الكهف:٥١] ، فمفهوم هذا قد يتوهم منه بعض الناس أن غير المضلين يمكن أن يتخذوا عضداً، وليس الحال كذلك، بل المقصود أنه يقوي بهم الحق، فغير المضلين يجعلهم جنوداً للحق، وهو الذي يؤيدهم وينصرهم ولا يحتاج إلى نصرتهم، ولهذا قال:{ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ}[محمد:٤] .
ومثل هذا قوله حكاية عن موسى عليه السلام:{رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ}[القصص:١٧] ، ومثل هذا قوله تعالى خطاباً لرسوله صلى الله عليه وسلم:{وَمَا كُنتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ * وَلا يَصُدُّنُّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[القصص:٨٦-٨٧] ، فكل هذا إنما المقصود به: نصرة الحق؛ إذ لا يحتاج الله سبحانه وتعالى إلى أحد من خلقه، لذلك قال:(وما له معين أو ظهير وما له ند ولا نظير) والعكس أيضاً: ليس له ند، والند هو المكافئ الذي يمكن أن يقاتل الإنسان أو يواجهه، فقد كان أهل الحرب قديماً يجعلون المباراة بين كل اثنين يتقاربان في الشجاعة والقوة، ويسمى أحدهما ند الآخر.
وهكذا المباراة أيضاً، باراه بمعنى: سابقه، ومنه فلان يباري الريح، أي: يسابقها.
ومنه النديد، فكل ذلك وارد: الند والنديد والقرن والقرين، فالنديد جاءت في شعر الأسود بن عبد يغوث في غزوة بدر في قوله: وما لأبي حكيمة من نديد أتبكي أن يضل لها بعير أي: لا يقارنه أحد، وأبو حكيمة هو زمعة بن الأسود؛ وقد قتل يوم بدر كافراً.
وقوله:(وما له ند ولا نظير) ، كذلك نفى النظير، أي: الذي يمكن أن يواجهه أو يرد عليه أي شيء، أو يشاركه في أي شيء، فكل هذا مردود، ولهذا قال الله تعالى:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}[الأنبياء:٢٢] ، وقال:{إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ}[المؤمنون:٩١] ، وهذا هو الذي يسميه أهل الكلام في إثبات الوحدانية لله بدليل التمانع، فإنهم يقولون: لو أمكن تعدد الآلهة فإن الإلهين إما أن يتفقا وإما أن يختلفا، فإن اختلفا فلابد أن يغلب أحدهما الآخر أو لا يغلبه، فإن لم يستطع أحد منهما التغلب على الآخر فهما عاجزان لا يتصفان بالألوهية، وإن غلب أحدهما الآخر فالمغلوب غير إله؛ لأنه غُلب، والغالب غير إله؛ لأنه كان يمكن أن يُغلب، وما جاز على المثل جاز على مماثله، وإن اتفقا فسيصنعان شيئاً، والعالم كله لابد أن يكون مصنوعاً للإله، فجواهر الأفراد وهي الذرات التي لا يمكن أن يشترك في صناعتها اثنان، وإذا صنعها واحد فقد استغنت عن الآخر، وكل جوهر فرد إذا صنعه أحدهما فقد استغنى عن الآخر، والمستغنى عنه غير إله، والآخر مثله؛ لأن ما جاز على المثل جاز على مماثله، فانتفى التعدد بالكلية، وأخذوا هذا الدليل من هذه الآية:{إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ}[المؤمنون:٩١] .