[التفريق بين كلام السلف والخلف وبيان المقصود بالسلف]
فهذا القسم الثالث هو المحير المشكل فيما يتعلق بالنصوص، ولذلك عده بعض العلماء من الصفات المشكلات، كما قال ابن السبكي في جمع الجوامع، ونظمه السيوطي رحمه الله في قوله: وما أتى به الهدى والسننُ من الصفات المشكلات نؤمنُ بها كما جاءت منزهينا مفوضين أو مؤولينا.
بالتفصيل ليس يقدح بالاتفاق والسكوت أصلح وهذا هو المقام الذي تسمعون فيه التفريق بين كلام السلف وكلام الخلف، فمذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أعلم، مع أنه أحوج إلى مزيد علم، وسنذكر ذلك تفصيلاً إن شاء الله في موضعه.
والمقصود بالسلف هنا: مالك، والأوزاعي، والليث، ويزيد بن هارون وطبقتهم التي سمينا بعضها، فهم الذين تكلموا في هذا، ولا يدخل فيه الصحابة ولا التابعون فليس لهم كلام في هذا، لم يرو عن أحد منهم فيه كلام، بل هذه الإشكالات التي ترجع إلى الألفاظ، أول من روي عنه الكلام فيها: عمرو بن دينار وهو من أواسط التابعين، روي عنه الكلام فيما يتعلق بصفة الكلام لله فقط فقال: إن القرآن غير مخلوق، لكن من قبله لم يثبت عنه أي كلام فيما يتعلق بهذه الأمور الخلافية المتعلقة بالاعتقاد.
ومن هنا أطلق الشيخ وقال:(يمر ما في وصفه جاء من الـ ـوحي كما يَفهم من فيهم نزل)(يمر) معناه: يقرأ كما هو، فكأنك تمره على لسانك إلى قلبك، فتسلم به تسليماً مطلقاً، انطلاقاً من المبدأ الذي ذكرناه سابقاً، وهو أن مبدأ الاعتقاد هو التسليم بأن العقول لا تصل إلى هذه الحقائق، وأنها محتاجة فيها إلى الوحي، فمن هنا تسلم بها تماماً، وتنقاد لها غاية الانقياد، وتجعلها أقوى مما تراه أو تسمعه، وجزمك بها أقوى مما تراه أو تسمعه؛ لأنك قد ملأت عقلك بالتصديق بعجز العقل عن إدراكها، وملأت عاطفتك بمحبة الله، وإثبات هذه الصفات طريق إلى محبة الله سبحانه وتعالى، كما ذكرنا سابقاً أنك إذا عرفت صفاته أحببته بها.
من هنا قال:(يمر ما في وصفه جاء من الوحي) سواء كان كتاباً أو سنة.