يقول الشيخ حفظه الله:[ليست له صاحبة ولا ولد ووالد ليس له كفواً أحد] .
الذي جاء في نصوص الوحي في وصف الله سبحانه وتعالى ينقسم إلى قسمين: إلى إثبات ونفي، والإثبات جاء أكثره مفصلاً، والنفي جاء أكثره مجملاً، وقد جاء نفي مفصل وهو قليل، فبدأ به لقلته في النصوص، وإنما جاء النفي المفصل في النصوص فيما يتعلق بالصاحبة والولد والوالد فقط في قوله تعالى:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ}[الإخلاص:١-٤] ونحو ذلك.
والصاحبة: تطلق على القرينة فهي مؤنثة الصاحب بمعنى المصاحب، والمقصود بذلك: ما يخيل إلى بني آدم من أن حاجة الكائن أياً كان تقتضي وجود قرين له من جنسه.
ومن هنا نتذكر بعض الفوائد العقلية التي ذكرناها سابقاً والتي تفيد العقل من الإيمان، وقد ذكرنا أن الإيمان لمصلحة العقل، ومن فوائده: أنه ينفي الخرافات عن العقل؛ لأن الخرافات هي متاهات العقول، فلو لم ترد هذه النصوص من الوحي لبقيت عقائد الناس مثل ما كانت عقائد الإغريق اليونانيين، عندهم الآلهة ذكور وإناث، وهناك عندهم بعض الآلهة ابن زناً من الإله، أي: إله زنى بإلهة فأنجبت له ابناً من زناً وأصبح إلهاً لديهم!! وهكذا من خرافات عقلية لا نهاية لها، ولذلك هذا الإله (أولمبيك) يسمونه إله الرياضة، وهو ابن زنا عندهم، زنت إلهة بإله آخر فأنجبت منه هذا الولد فسميت عليه الرياضة، وإلى الآن تسمعون بالملاعب الأولمبية ونحو ذلك وكله من أولمبيك.
فعلى هذا فإن هذه النصوص هي التي حررت العقول من هذه الأوهام وهذه الخيالات التي منشؤها التشبيه بما يعهده العقل؛ ولذلك فإن نصوص التنزيل في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كثيرة جداً، وهي التي تقتضي سد القلب بالكلية عن هذه الأوهام والتخيلات التي هي متاهات تضيع فيها العقول.
وكان العرب في الجاهلية يذهبون إلى أن الملائكة بنات الله، والتصور العقلي يقتضي أن البنات لا يمكن أن يوجدن إلا بعد أن توجد أم، والله سبحانه وتعالى فند هذه الفكرة تفنيداًَ قاطعاً في كثير من الآيات، ومن أبلغ ذلك ما كان فيه خطاب للعقل والعاطفة معاً، فقد جاء الخطاب في ذلك للعقل فقط في مثل قوله:{لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}[الإخلاص:٣] ، وجاء الخطاب فيه للعقل والعاطفة معاً في مثل قوله:{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ * وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ}[الزخرف:١٧-١٨] وفي القراءة السبعية الأخرى: (وجعلوا الملائكة الذين هم عند الرحمن إناثاً أأُشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون) .