وترتب على نظرية الاتحاد هذه نظرية أخرى أخطر منها، وهي نظرية وحدة الوجود التي يقول بها ابن عربي الحاتمي، فهو لما عرف أن الاتحاد بين أبدان المخلوقين مستحيل فكيف بالاتحاد بين ذات الله وذوات الخلق، صرف الأمر فأتى بنظرية فلسفية وهي أنه قال: إنّ (لا إله إلا الله) معناها: لا موجود إلا الله، فليس في الوجود شيء إلا الله، لكنك لا تعرف هذا إلا إذا وصلت إلى مقام الذوق فعرفته معرفةًَ حقة، فقبل أن تعرفه يمكن أن تزعم أن في الكون شيئاً سواه، وحينئذٍ يختلف عليك العابد عن المعبود، لكن إذا عرفته ووصلت إليه لم يكن هناك عابد ولا معبود، حيث إن فرعون أعلم بالله من موسى، يقول: فإن فرعون قال: {أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى}[النازعات:٢٤] ؛ لأنه بلغ مقام وحدة الوجود، وموسى لم يبلغ هذا المقام، ولذلك يقول أبياته المشهورة: بذكر الله تزداد الذنوب وتنطمس البصائر والقلوب إلى آخر ما قاله، وهو بهذا يزعم أن كلام المخلوقين كله من كلام الله كما قال: وكل كلام في الوجود كلامه سواء علينا نثره ونظامه وأراد بهذا تطوير نظرية الاتحاد التي قال بها قبله الحلاج وقتل بسببها بعد أن حاكمه المسلمون، لكنه وجد طوائف تدافع عنه، ووجد من يعتقد أقواله، وألف عدداً من الكتب منها: الفصوص، ومنها: الفتوحات المكية وغيرها، واليوم يتبنى أفكاره عدد من الناس وينشرون كتبه من مطابع في الشام، ومكتبات تنشر كتبه الآن وتتبنى أفكاره، وقد ألف البقاعي رداً عليه، ومن أحسن الردود رد يسمى:(تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي) وقد طبع اليوم مع كتاب آخر للبقاعي بعنوان: مصرع التصوف، وهو عنوان أحدثه الطابع فقط وليس هو اسم الكتاب.