وهذه المسألة ذكرها كثير من الذين ساروا على طريقة السلف من المتأخرين، وورد الكلام فيها عن عدد من السابقين كـ ابن خزيمة والدارقطني وأهل تلك الطبقة، لكن اختلف اللاحقون في معنى كون هذه صفات لله سبحانه وتعالى، فورد عنهم فيها وجهان: الوجه الأول: ما ذكره ابن القيم من أن هذه -أعني الوجه- والعين واليدين والقدم والساق والأصابع إما أن تكون أبعاضاً، وإما أن تكون صفات، قال: والأبعاض تدل على التجزئة، وهي نقص فهي محالة على الله، فلم يبق إلا أنها صفة، هذه طريقة ابن القيم.
الوجه الثاني: هو ما ذهب إليه الحافظ ابن حجر في فتح الباري عند شرح: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}[الإخلاص:١] أنها صفة الرحمن، قال: المقصود بكون الوجه واليدين والعين صفة لله تعالى إثبات كينونتها، أي: كونه ذا يدين صفة من صفاته، وكونه ذا وجه صفة من صفاته، وكونه ذا عين صفة من صفاته، وكونه ذا قدم صفة من صفاته، وكونه ذا ساق صفة من صفاته، وكونه ذا أصابع صفة من صفاته، فإثباتها وصف له، أي: إنك إذا أثبت له وجهاً فقد وصفته بأنه ذو وجه، وإذا أثبت له اليدين فقد وصفته بأنه ذو يدين وهكذا، وهذه الطريقة التي سلكها الحافظ ابن حجر أقرب وأسهل من التي سلكها ابن القيم.
(لا فرق بين ما سميه) أي: المشترك معه في الاسم، وهو الذي أطلق عليه هذا الاسم فقط (يعد وصفاً لنا كالعلم) والإرادة، والقدرة، والحياة.
(أو جزءاً) : وهو ما يشترك معه بالاسم ويعتبر جزءاً في المخلوق، لكن نسبته للخالق أنه صفة، فلا فرق بين الصنفين، وهذا لا يقتضي تشبيهاً لمجرد الاشتراك في الاسم، ألا ترى أن الجنة:{فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى}[محمد:١٥] وهذه سميها في الدنيا معروف، ولكنه لا يشترك معها إلا في الاسم فقط، كما قال ابن عباس:(ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء) والاشتراك في الاسم لا يقتضي شبهاً، وإذا كان هذا التباين الكامل وانقطاع الشبه بين المخلوقات مع الاشتراك في الاسم، فكيف تكون المقارنة لو كان هذا بين الخالق والمخلوق؟