[إثبات صفة الإقبال والإعراض لله عز وجل]
[يقبل يعرض يتوب يرحم يأخذ منا الصدقات يُطعم وليس يُطعم.
] (يقبل ويعرض) هاتان الصفتان من صفات الأفعال المتقابلة, ولا يشتق منهما اسمان لله بخلاف السابقتين الهداية والضلالة فإنه يشتق منهما اسمان لله, فهو الهادي المضل، الهادي لمن يشاء، المضل لمن شاء، لكن (يقبل) : صفة من صفات الأفعال التي لم يرد اشتقاق اسم منها, وكذلك (يعرض) : هي صفة من صفات الأفعال التي لم يرد اشتقاق اسم منها.
وإقبال الله سبحانه وتعالى على عبده هو غاية التشريف؛ لأنه هو الذي يلي منزلة الرؤية, فالله سبحانه وتعالى إذا أقبل على عبده, فتمام رؤية العبد له ما يقع يوم القيامة حين يكشف عنه الحجاب فيراه رأي العين، وهي الزيادة التي قال الله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:٢٦] , وأما في الدنيا فقد حجب المخلوق عن الرؤية, لكنه عوض أهل الإيمان بالإقبال فيقبل الله عليهم، ويكون هذا تعويضاً عن الرؤية.
وإقبال الله سبحانه وتعالى على عبده إنما يكون بحسب اقتراب العبد منه, ولذلك قال: (فإن أتاني يمشي أتيته هرولة) هذا هو الإقبال، ويكون أيضاً بحسب إتقانه لعمله الصالح الذي يعمله، كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يزال الله مقبلاً على العبد وهو في صلاته ما لم يلتفت، فإذا التفت أعرض عنه، وقال: يا ابن آدم! إلى من تلتفت وأنا خير مما التفت إليه) , فالإقبال هنا يقابله الإعراض, وإقباله مقتض لرحمته وعنايته وحفظه ورعايته، وإعراضه مقتض لتعرض الإنسان لسخطه ومقته، ولذلك فإن نظره هو من جنس إقباله, فنظره بعين الرحمة يحصل به كل مقتضيات الرحمة, والله سبحانه وتعالى أخبر أن من لا يرتضيهم لا ينظر إليهم, وقد أخبر عن كثير من الناس يوم القيامة أنه لا ينظر إليهم ولا يزكيهم كما في قوله: {وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ} [آل عمران:٧٧] .
والمقصود هنا: لا ينظر إليهم بهذه النظرة، أي: نظرة الإقبال التي تقتضي الرحمة.
أما النظر الذي يقصد به العلم والإحاطة والبصر, فالله سبحانه وتعالى مبصر لكل الكائنات، لا تخفي منه سماء سماءً، ولا أرض أرضاً, ولا يمكن أن يحتجب عنه أي شي، فهو يرى كل شي، لكن النظر بعين رحمته هو الذي يختص به أهل الإيمان والمحبة, والنظر بعين السخط -نسأل الله السلامة والعافية- هو لأهل الكفر والشقاوة.