إضافة الذات إلى الله ورد شذوذاً في حديث كذبات إبراهيم
(نعم أتت مضافة لله في كذبات القانت الأواه) نعم: استدراك على ما سبق، وذلك أنه جاء في صحيح البخاري:(ما كذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات كلهن في ذات الله) وفي رواية: (أن اثنتين منهن في ذات الله) يعني: إبراهيم ما كذب إلا ثلاث كذبات اثنتين منهن في ذات الله، فأضيفت هنا (ذات) إلى (الله) فيكون هذا من الشاذ في اللغة؛ لأنه أضيف فيه لفظ (ذات) إلى العلم وهذا نادر، وكذبات إبراهيم هي قوله:{إِنِّي سَقِيمٌ}[الصافات:٨٩] كذب في ذات الله ليتركوه فيخلو بأصنامهم ويحطمها، والثانية قوله:{فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا}[الأنبياء:٦٣] يقصد الأصنام، والثالثة: قوله في زوجته: هي أختي ويقصد بذلك أخوة الدين، هذه ثلاث كذبات كلهن في ذات الله، أو اثنتان منهن في ذات الله، والمقصود بذات الله: سبيل الله، أي: قصد بذلك إعلاء كلمة الله، ومن هنا أجاز العلماء الكذب في العمل لنصرة دين الله، وإذا خيف على العمل له فيكون الصدق فيه محرماً والكذب واجباً؛ لأن الصدق يؤدي فيه إلى ضرر، وما حرم الكذب إلا من أجل الضرر الذي يؤدي إليه، وما أوجب الصدق إلا من أجل النفع الذي يحصل به، فإذا ترتب على الصدق ضرر وعلى الكذب نفع انعكس الأمر وانتقض الحكم.
وقد أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم للحجاج بن علاط السلمي رضي الله عنه أن يكذب على قريش حتى يستخلص منهم أمواله، وقد كذب كذباً لو كذبه أحد لم يؤذن له به لكان كفراً؛ لأنه زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد هزم وأنهم أخذوه أسيراً، وأنهم قالوا لن نقتله حتى نبيعه بمكة، فمن زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هزم فقد كفر؛ لأن هذا استخفاف بمقامه صلى الله عليه وسلم.
قوله:(وهو شذوذ) .
يقصد الشذوذ اللغوي ولا يقصد الشذوذ الحديثي، فليس الحديث شاذاً من ناحية الرواية الحديثية.
والشاذ لدى المحدثين هو: رواية المنفرد إذا خالفه من هو أوثق منه أو أكثر، فالحديث الذي رواه عدد لا يكون شاذاً، بل لا بد فيه من الانفراد.
والأمر الثاني: لا بد أن يكون ثقة، فإن كان غير ثقة كان حديثاً منكراً، وإذا انفرد به غير الثقة لا يسمى شاذاً وإنما هو منكر.
القيد الثالث: أن يكون خالفه، والمقصود بالمخالفة: المخالفة بالإثبات أو النفي أو بإضافة حكم، لا مجرد الزيادة، فزيادة الثقة لا تعتبر شذوذاً، وكذلك الزيادة في الإسناد وهي المسماة عند المحدثين: المزيد في متصل الأسانيد، فلا تسمى شذوذاً أيضاً.
أما الشاذ في اللغة: فهو ما انفرد عن القاعدة وهو المقصود هنا؛ لأن القاعدة هي المعبر عنها بالأصل، وقد ذكرنا من قبل أن الأصل يطلق على القاعدة، فالأصل أن تضاف (ذو) إلى الاسم الظاهر غير العلم، وهنا أضيفت إلى العلم فهو شاذ، أي: منفرد عن القاعدة.
(ونظيره ذو بكة) : كما في الأثر الذي ذكرناه عن ابن الزبير فيما كتب على الحجر.