[الكلام على اصطلاح الكلام النفسي عند الأشعري ومن وافقه]
وهنا مسألة البحث التي كثر الكلام فيها، وقد أشرنا إليها من قبل، وهي أن المعطلة من الجهمية والمعتزلة اتفقوا على إثبات الكلام لله، وهذا يتفق عليه جميع أهل السنة على مختلف مذاهبهم، فإنهم يتفقون على إثبات صفة الكلام لله، ولكنهم اختلفوا في إثبات الكلام النفسي، والكلام النفسي معناه: الكلام المنسوب إلى النفس، وليس معناه حديث النفس، كما يفهمه بعض الناس، فبعض الناس إذا سمع (الكلام النفسي) ظن أن معناه: حديث النفس الذي هو درجة من درجات اليقين، وهذا غير صحيح، بل الكلام النفسي معناه: الكلام الذي هو غير ملفوظ به، بل القدرة على الكلام، أي: أن يكون أحد قادراً على الكلام، فهذا هو الكلام النفسي.
وتسميته بهذا نسبة إلى النفس، بخلاف تكليم المخلوق فإنه ليس كلاماً للنفس.
ولذلك غلط أصحاب وحدة الوجود في هذا الباب، فجعلوا كل كلام منسوب إلى الله؛ لأنه خلقه، حتى قال ابن عربي الحاتمي: وكل كلام في الوجود كلامه سواء علينا نثره ونظامه وهذا غلط فادح؛ لأن كل كلام في الوجود من خلقه، إلا كلامه عز وجل الذي تكلم به فهو كلامه لا خلق من خلقه.
فهناك فرق بين كلامه وبين خلقه، كما سبق.
والكلام النفسي إذا فسرناه بأن معناه: القدرة على التكلم متى شاء بما شاء، فلا مشاحاة فيه، وينبغي ألا يكون محلاً للخلاف، لكن اختلف أهل الاصطلاح في تسميته بذلك، فذهب الأشعري والماتريدي وابن كلاب إلى تسميته بالكلام النفسي، وسلك هذه الطريقة جمهور العلماء من الأصوليين والمتكلمين وغيرهم.
وأنكر هذا الاصطلاح شيخ الإسلام ابن تيمية.
وأظن ذلك راجعاً إلى تصور معنى الكلام النفسي؛ لأن من أنكره كأنه تصور أن معناه: حديث النفس فقط، وإلا فلا يمكن أن يخفى على شيخ الإسلام ابن تيمية أن الله سبحانه وتعالى قادر على الكلام متى شاء، وأن علمه يحيط بكل شيء، لا يمكن أن يخفى هذا عليه، ولذلك حين وصل إلى هذه النقطة سماها باصطلاح آخر، فقال: كلام الله قديم النوع محدث الآحاد أو الأفراد.
والنوع مقصوده به: الكلام النفسي، لكنه سماه النوع، وهذا الاصطلاح الذي أطلقه شيخ الإسلام ابن تيمية اصطلاح بعيد جداً؛ لأن النوع لا تصور له في الخارج إلا بأفراده، فمثلاً: الإنسان نوع من أنواع الحيوان، وهل يمكن أن يكون إنسان موجوداً ليس من البشر المعروفين، لا ذكراً ولا أنثى ولا خنثى؟ لا يمكن أن يقع هذا أبداً؛ لأن الإنسان إنما يتصور بفلان أو فلانة مثلاً، فلا يفصل بين مفهوم النوع وما صدقه فمفهومه تفسيره، وما صدقه أفراده.
فلا يمكن أن تكون الأفراد محدثة ويكون النوع قديماً أو العكس؛ لأن النوع إنما يتجلى في أفراده، وكذلك الجنس.