للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إثبات إحاطة الله بخلقه]

يقول الشيخ: [أحاط بالناس وأينما يول مستقبل فثم وجه الله جل] هذه صفة أخرى وهي صفة الإحاطة، وهذه الصفة عبارة عن صفتين: الصفة الأولى: صفة الإحاطة بمعنى كمال العلم والإدراك، وهذه هي معنى المعية العامة.

والصفة الثانية: بمعنى القهر والجبروت، وهذه الإحاطة التي بمعنى القهر تنقسم إلى قسمين: ناجز ومتأخر.

فالناجز منها: هو أخذ الله الوبيل الذي يأخذ به المكذبين، فأخذه الوبيل الذي يأخذهم به هو من إحاطته بمعنى قهره وجبروته، فهو قهر ناجز.

وأما المتأخر فهو أخذهم يوم القيامة.

ففي قوله تعالى: {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ * أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ * سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [القمر:٤٣-٤٥] هذا كله من الناجز، ثم قال: {بَلْ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القمر:٤٦] فهذا هو المتأخر، والناجز مقتضٍ للمتأخر، فإذا جاء أخذه الشديد فأهلك قوماً في الدنيا بكفرهم، فذلك متضمن لعذابهم يوم القيامة؛ لأن من مات على الكفر فلابد أن يعذب يوم القيامة؛ ولهذا قال الله سبحانه وتعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ} [الإسراء:٦٠] والإحاطة في هذه الآية المقصود بها: القهر الناجز؛ لأن ذلك نزل في أصحاب بدر فقد أحاط الله بهم فساقهم إلى حتوفهم، وقدمهم إلى تعجيل العذاب لهم نسأل الله السلامة والعافية، ولهذا أوحى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم أماكن مصارعهم، فجعل يضع يده في مكان ويقول: (هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان) .

فهذا هو تجلي الإحاطة الناجزة بالعباد: (وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ) ، لكن الناس هنا لها وجهان: فإما أن يكون المقصود بها الناس عموماً، أي جميع الخلائق من البشر، فهذا إحاطة قهر، فهو سبحانه وتعالى غالب على أمر الجميع، وإما أن يكون المقصود بالناس المهلكين منهم بالخصوص، فتكون الآية مثلاً نازلة في أصحاب بدر وتختص بأهل القليب، ويكون هذا من العام المراد به الخصوص.

والعام ثلاثة أقسام: عام باقٍ على عمومه، وعام مخصوص، وعام مراد به الخصوص، والفرق بين العام المخصوص والعام المراد به الخصوص: أن العام المخصوص يأتي أولاً عاماً ثم يخصص بعد ذلك، والعام المراد به الخصوص ينزل أول ما ينزل على أن معناه الخصوص، ولفظ (الناس) يأتي في القرآن على الوجهين، فمن العام الباقي على عمومه قول الله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ} [الناس:١-٣] ، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ} [البقرة:٢١] ، قوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ} [النساء:١] .

ومن العام المراد به الخصوص قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة:١٩٩] ، وقوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} [آل عمران:١٧٣] ، هذا كله من العام المراد به الخصوص.

<<  <  ج: ص:  >  >>