[وجوب الإيمان بالكتب التي أنزلها الله عز وجل وسماها]
فمن الرسل من أنزلت عليه الكتب في شكل صحف، وقد جاء التصريح بذلك في إبراهيم وموسى، كما قال عز وجل: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} [الأعلى:١٨-١٩] ، وفي هذا أن صحف إبراهيم وموسى من الصحف الأولى، وهذا يدلنا على أن الكتب المنزلة في الصحف ليست محصورة في هذه فقط، بل المنزل على نوح أيضاً كان صحفاً، وكذلك على من دونه من الرسل.
وأيضاً أطلقت القراطيس في أنبياء بني إسرائيل على الكتب؛ حيث جاء ذكر ذلك في سورة الأنعام في قول الله تعالى: {قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ} [الأنعام:٩١] .
وقد كتب الله التوراة لموسى بيمينه في الألواح، فسلمه هذه الألواح، واستشهد على ذلك سبعين من قومه، شهدوا على استلام موسى للألواح من ربه، وهذه الألواح كانت أربعة عشر لوحاً، فانكسر منها اثنا عشر وبقي اثنان، ومع ذلك فقد جاء بعد موسى معززون لشريعته من أنبياء بني إسرائيل، وأنزل على كثير منهم وحي.
وأما الكتب المسماة فهي هذه الأربعة التي هي: التوراة والإنجيل والزبور والقرآن.
فالتوراة هي الكتاب المنزل على موسى باللغة العبرية، وهي العبرانية.
وهذه الكلمة مختلف فيها هل هي عربية أو غير عربية، والراجح: أنها من العربية، فالتوراة أصلها: التورية، أي: الكلام الذي يشير إلى أحداث ستقع، وليس فيه التصريح بذلك.
وقيل: هي غير عربية؛ لأنها لو كانت عربية لما قيل: التوراة، ولقيل: التورية.
وعلى هذا الاختلاف اختلف القراء في قراءتها في القرآن هل تقرأ بالإمالة أم لا؟ فمنهم من يقرؤها بالإمالة بين بين، كـ ورش، فمثلاً: يقرأ قوله تعالى: {الم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ * نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ} [آل عمران:١-٤] .
ومنهم من يميلها إمالة محضة، كـ أبي عمرو والكسائي فيقرآن: {وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ} [آل عمران:٣-٤] .
ومنهم من يكون له فيها وجهان، كـ قالون فله وجهان: بالتقليل والفتح.
وأما الإنجيل فهذا اللفظ باللغة العبرانية معناه: الكتاب، وقد استعمل في لغة العرب بذلك، ومنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أناجيل أمتي في صدورها) .
وأما الزبور فهو الكتاب المنزل على داود، واشتقاقه من الزبر، وهو الكتابة، فزبر معناه: أخذ المزبر فكتب به، والمزبر هو القلم، وهذا من لغة العرب، ومع ذلك سمي به هذا الكتاب، ويطلق عليها قديماً المصاحف، كما جاء في الحديث: (إن داود كان يقرأ في المصحف) والمقصود بالمصحف الزبور.
والمصحف يجوز فيه ثلاثة لغات: المَصحف والمِصحف والمُصحف، ومعناه: ما يجمع الصحف، فهو مشتق من الصحيفة؛ لأنه يجمعها، فلذلك يطلق على القرآن وعلى غيره من الكتب المنزلة.