قوله:(يداه بالعطا مبسوطتان كيف شاء بسطا) : كذلك هذه الجملة مثبتة لصفتين: صفة ذاتية، وصفة فعلية: فالصفة الذاتية هي قوله: (يداه) ، وهذا إثبات لصفة اليدين لله سبحانه وتعالى، وقد أثبت الله ذلك في كتابه في قوله تعالى:{لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}[ص:٧٥] ويداه كلتاهما يمين كما صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدد من الأحاديث سيشير إليها المؤلف.
وقوله:(بالعطا مبسوطتان) هذه صفة فعلية وهي بسط اليدين بالعطاء، فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه:{وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ}[المائدة:٦٤] فقوله: (يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) تفسير لقوله: (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ) فالمقصود بالبسط العطاء، ولا يقصد به ما يتبادر إلى الذهن من مجرد البسط فقط، بل المقصود ببسط اليدين: بسط الفضل وعمومه، وهو يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، فلذلك هما مبسوطتان بالعطاء سحاء الليل والنهار لا تغيضان.
والبسط بسطان: فالبسط الأول: بسط عطاء، والبسط الثاني: بسط قبول التوبة، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم:(يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل) هذا بسط للقبول بالتوبة، وذلك أن التوبة لا تتم إلا في ثلاث مراحل: المرحلة الأولى: أن يتوب الله على عبده، بمعنى أن يوجه قلبه للتوبة ويوفقه لها، وهذه من فضل الله السابق على عمل المكلف.
ثم المرحلة الثانية: هي توبة العبد إلى الله، وهي ندمه على ما فرط في جنب الله وخروجه منه ونيته ألا يعود إليه، وهذه من المكلف.
ثم المرحلة الثالثة: هي توبة الله الأخيرة، وهي قبوله لتوبة العبد، ولذلك قال الله تعالى:{لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}[التوبة:١١٧] توبتان من عند الله ثم قال: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا}[التوبة:١١٨] أي تاب على الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا، هذه التوبة الأولى، ثم قال:{حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ}[التوبة:١١٨] هذه توبتهم هم: {وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنْ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا}[التوبة:١١٨] فهذه التوبة من عند الله سبحانه وتعالى، يتوب على الإنسان ليتوب، ثم يتوب عليه بعد ذلك ليقبل منه.
والعطاء: اسم مصدر لإعطاء، فالإعطاء هو المصدر أعطى إعطاءً، والعطاء هو اسم المصدر، ويطلق على المناولة لأي شيء، ويطلق على ما ينفع بالخصوص، ولذلك اصطلح في صدر الإسلام على تسمية الراتب الذي يوزع على المسلمين من بيت مالهم بالعطاء، وهو مهموز لكنه هنا في البيت حذفت همزته للضرورة وهذا كثير في الشعر، وفيه قول ابن مالك رحمه الله: وقصر ذي المد اضطراراً مجمع عليه والعكس بخلف يقع فقصر الممدود في الشعر متفق عليه.