للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تنزيه الله عن الاتحاد بخلقه]

(ألحد من قال بخلقه اتحد) ؛ فأحديته تقتضي إثبات الذات له، وهذا مقتض لئلا يتحد بأي ذات أخرى، فالناظم نفى دعوى الاتحاد، ودعوى الاتحاد يدعيها النصارى في الأصل، وهم أول من ادعاها، وقد ادعاها بعض الطوائف من المسلمين.

ومعنى الاتحاد: التقاء ذات الخالق بذات المخلوق حتى تتشكل منهما ذات واحدة، وهذا مستحيل في كل شيء، حتى المخلوق لا يمكن أن يتحد بالمخلوق فضلاً عن الخالق، فهذا الماء إذا خالطه سكر وذاب فيه فلا يمكن أن يقال اتحد الماء والسكر؛ لأن خاصة الماء بعد ذوبان السكر فيه غير خاصته قبله وغير خاصة السكر، وهذه القاعدة قاعدة فقهية أصولية وهي: (الشيء مع غيره غيره، لا هو مع غيره) فكل شيء إذا كان مع غيره فهو مادة غيرهما لا هو مع غيره.

والاتحاد بالنسبة لذات الخالق بذوات المخلوقين أشد بعداًَ، فالصفات متباينة تماماً، والمشابهة منتفية، والمخلوق محصور والخالق غير محصور، والمخلوق سبقه العدم وسيلحقه العدم، والخالق لم يسبقه عدم ولا يلحقه عدم فكيف يقع الإتحاد؟! فمن أبلغ المستحيلات الاتحاد، والذين يقولون هذا يقولون: اتحد اللاهوت بالناسوت، واللاهوت: يقصدون به خصائص الألوهية، والناسوت: يقصدون به خصائص الإنسانية، وهذا في الأصل قال به النصارى حين زعموا أن الله واحد وهو في نفس الوقت ثلاثة، وهم يربون أولادهم على هذا، يقولون: هو واحد وهو في نفس الوقت ثلاثة، وعقولهم تتشرب هذا؛ تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، يقولون: الثلاثة اتحدت فحصل منها واحد.

وقال بهذا بعض الطوائف المنحرفة من الشيعة والصوفية، فبعض طوائف الشيعة المنحرفة وهم الذين يسمون بالحشاشين، وينتسبون إلى إسماعيل بن جعفر الصادق بن محمد الباقر، ولذلك ينسبون إليه ويقال فيهم الإسماعيلية، ويسمون أيضاً بالقرامطة نسبةً إلى رجل اسمه: حمدان بن قرمط، ونشأ منهم طوائف منها النصيرية، ومنها الدروز، فكلهم في الأصل من الحشاشين الإسماعيلية القرامطة، ومعنى الحشاشين: أنهم كانوا يسكنون في الحشوش ويغتالون الناس، ويسطون على أموالهم في الليل، ويقطعون الطرق في الشام فهؤلاء يسمون الحشاشين، وقبل ذلك تمركزوا في القرن السادس والسابع في بعض المناطق في الشام وبالأخص في لبنان، وحصلت بينهم وبين أهل السنة حروب حين قطعوا الطرق وأهانوا الناس وأذلوهم، وساعدوا التتار لما أتوا إلى الشام، وكان ممن قاتلهم شيخ الإسلام ابن تيمية فقاتلهم بنفسه وشارك في قتالهم، وهؤلاء يزعمون أن الله سبحانه وتعالى اتحد بأئمتهم، تعالى عما يقولون علواً كبيراً.

ومثلهم بعض غلاة أهل التصوف الذين يزعمون أن الله سبحانه وتعالى مكن لبعضهم تمكيناً مطلقاً حتى اتحد العابد والمعبود، ويظنون أنه يصل إلى ذلك بمستوىً من العبادة فترتفع عنه التكاليف به، ويسمون هذا المقام: مقام وحدة الوحدة.

وعندهم مقامات مختلفة: مقام الوحدة فقط، ومقام الجمع، ومقام الفرق، ومقام جمع الجمع، ومقام فرق الفرق، وكل هذه اصطلاحات لهم، بعضها مسلم صحيح مثل ما تقرءونه في كتاب مدارج السالكين لـ ابن القيم يشرحها شرحاً صحيحاً في مقام الجمع، ومقام الفرق، ومقام جمع الجمع إلى آخره، لكن بعضها يرجع إلى الاتحاد.

<<  <  ج: ص:  >  >>