للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يبعد عندي أن تكون إشارة إلى ترجيح القدح على الكوز والإبريق وغيرهما، فإن القدح لسعة فمه يظهر فيه للشارب ما قد يسقط فيه شيء من التبن ونحوه.

[(٢٩ - باب الشرب من قدح النبي - صلى الله عليه وسلم -)]

أي: تبركًا به، قال ابن المنيِّر: كأنه أراد بهذه الترجمة دفع توهم من يقع في خياله أن الشرب في قدح النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته تصرف في ملك الغير بغير إذن، فبيَّن أن السلف كانوا يفعلون ذلك؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يورث وما تركه فهو صدقة، لا يقال: إن الأغنياء كانوا يفعلون ذلك والصدقة لا تحل للغني؛ لأن الجواب أن الممتنع على الأغنياء من الصدقة هو المفروض منها، وهذا ليس من الصدقة المفروضة.

قال الحافظ (١): والذي يظهر أن الصدقة المذكورة من جنس الأوقاف المطلقة ينتفع بها من يحتاج إليها، وتقرّ تحت يد من يؤتمن عليها، ولهذا كان عند سهل قدح، وعند عبد الله بن سلام آخر، والجبة عند أسماء بنت أبي بكر وغير ذلك، انتهى من "الفتح".

قلت: لا حاجة إلى هذا البحث الطويل، بل الغرض من الترجمة الشرب من قدح شرب منه - صلى الله عليه وسلم - تبركًا به أعم من أن يكون ذلك القدح في ملكه - صلى الله عليه وسلم - أم لا؟ وعلى هذا فمطابقة الحديث للترجمة أيضًا ظاهرة، فإن الظاهر أن القدح المذكور في أول حديث الباب كان لسهل لا للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فلا حاجة حينئذٍ في إثبات المطابقة إلى ما ذكره العلَّامة العيني (٢) من أن هذا القدح في الأصل كان للنبي - صلى الله عليه وسلم -، انتهى. فإنه خلاف الظاهر، بل الظاهر أنه كان لسهل - رضي الله عنه -، والله تعالى أعلم.


(١) "فتح الباري" (١٠/ ٩٩).
(٢) "عمدة القاري" (١٤/ ٦٣١، ٦٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>