ـ رحمك الله ـ إن كنتَ ممن يتثبت في دينه: هل مثل هذا الحديث المضطرب المتن والسند الذي مداره على رجل حاله كما بيَّنَّا تقوم به حجة في محل النزاع؟؟ اللهم إلا أن يكون هذا وأمثاله يروج على رجل لم يعرف الاستدلال وليست له خبرة بأحوال الرجال. فإن راج هذا على السبكي وأضرابه؛ فلا يروج على شيخ الإسلام ابن تيمية حامل لواء هذا الفن وإمامه؛ حتى قيل فيه: إنَّ الحديث الذي لا يعرفه ابن تيمية ليس بحديث! وعلى تسليم ثبوته؛ فهو معارض بحديث الصحيحين وغيرها ـ وهو: قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تُشَدّ الرِّحال ...
» الحديث ـ، وما قلنا هذا إلا على سبيل التنزُّل؛ وإلا فغاية الأمر أنا لو أحسسنا الظنّ بمسلم الجهني فيكون الحديث ضعيفًا، ولا تعارض بين ضعيف وصحيح، بل ولا بين حسن وصحيح؛ وإنَّما لا يُقال: حديثان متعارضان إلا إذا استويا في الرتبة؛ فحينئذ يذهب إلى الترجيح بأمور خارجة عن الصحة ـ ذكرها أهل الأصول ـ، وأما هنا؛ فلا يُقال: تعارض الحديثان؛ لما علمتَ. والله الهادي.
فقد علمتَ مما تقدّم أنَّ العلماء لم يتفقوا على العمل بالحديث الضعيف؛ بل لهم فيه ثلاثة أقوال ـ كما مرَّ ـ.
والذي يظهر لي: أنّ أولاها بالصواب قول مَن قال: لا يُعمل بالحديث الضعيف مطلقًا ـ وقد بينَّا حجتهم ـ. وإن كان قول مَن قال: يُعمل به إذا تعددت طرقه حتى بلغت في الكثرة مبلغًا تحيل العادة تواطؤهم على الكذب؛ ليس بعيدًا عن الصواب، ولكن أهل القول الأول أسعد بالحّجة. وأما قول مَن قال: يُعمل به في فضائل الأعمال من ترغيب وترهيب ـ ويدلّ عليه قول الإمام أحمد؛ حيث يقول:«إذا روينا في الحرام والحلال شدّدنا، وإذا روينا في غير ذلك تساهلنا» ـ؛ فهذا القول في النفس منه حزازة؛ لأنّ