وهذه الشّبهة داحضة، تنادي على صاحبها بالجهل؛ فإنّ الله ـ سبحانه ـ لم يعذر مَن اعتقد في عيسى ـ عليه السّلام ـ، وهو نبيّ من الأنبياء؛ بل خاطب النّصارى بتلك الخطابات القرآنيّة؛ ومنها:{يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلَّا الحقّ إنّما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله} ، وقال لمن كان يعبد الملائكة:{ويوم يحشرهم جميعًا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إيّاكم كانوا يعبدون * قالوا سبحانك أنت وليّنا من دونهم} ، ولا شكّ أنّ عيسى والملائكة أفضل من هؤلاء الأولياء والصّالحين الذين صار هؤلاء القبوريّون يعتقدونهم ويغلون في شأنهم، مع أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أكرم الخلق على الله، وسيّد ولد آدم؛ وقد نهى أُمّته أن يغلو فيه كما غلت النّصارى في عيسى [ـ عليه السّلام ـ] ، ولم يتمثلوا [أمره، ولم يمتثلوا] ما ذكره الله في كتابه العزيز من قوله: {ليس لكَ من الأمر شيء} ، ومن قوله:{وما أدراك ما يوم الدِّين * ثمّ ما أدراك ما يوم الدِّين * يوم لا تملك نفس لنفس شيئًا والأمر يومئذ لله} ، وما حكاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، وما قاله صلى الله عليه وسلم لقرابته الذين أمره الله بإنذارهم بقوله:{وأنذر عشيرتك الأقربين} ؛ فقام داعيًا لهم ومخاطبًا لكلّ واحد منهم؛ قائلًا:«يا فلان بن فلان؛ لا أغني عنك من الله شيئًا. يا فلانة بنت فلان؛ لا أغني عنكِ شيئًا. يا بني فلان؛ لا أغني عنكم من الله شيئًا» .
فانظر ـ رحمك الله ـ ما وقع من كثير من هذه الأُمّة من الغُلُوّ المنهيّ عنه، المخالف لما في كتاب الله وسُنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كما يقول صاحب «البردة» ـ رحمه الله تعالى ـ ما