كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات} ، وقوله:{إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء} ... إلى غير ذلك من الآيات الصريحات في النهي عن التفرق والاختلاف؟!
فالجواب: قد قدَّمْنَا أنَّ التنازعَ والاختلافَ الذي أخبر الله بوقوعه معناه: إذا اختلفنا في شيء ن الأحكام بعضنا يقول فيه: هذا حلال، وبعضنا يقول فيه: هذا حرام، والبعض يقول: هذا مكروه؛ فأمرنا ـ تعالى ـ أن نَرُدَّ هذا الاختلاف إلى الكتاب والسنة؛ فإذا وجدنا دليلًا يدلُّ على التحريم أو الحلّ أو الكراهة قلنا به، وهذا لا حرج فيه ولا ضرر؛ لأن الكتاب والسنة الصحيحة لها أول وآخر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:«الحلالُ بَيِّنٌ والحرامُ بَيِّنٌ وبينهما أمور مشتبهات ... » الحديث، وقوله صلى الله عليه وسلم:«ما أحلَّ اللهُ في كتابه فهو حلال، وما حرَّم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو؛ فاقبلوا من الله عافيته؛ فإن الله لم يكن ينسى شيئًا» ، وتلا:{وما كان ربُّك نسيًّا}[مريم: ٦٤] .
فإن قلتَ: إذا كان الحلال بيِّنًا والحرام بيِّنًا من الكتاب والسنة؛ فما وجه التنازع والاضطراب والاختلاف؟!
فالجواب: أن أدلة الأحكام الشرعية على قسمين: جليٌّ وخفيٌّ؛ فالجلي: ما يفهمه كل أحد، والخفي هو:[ما] انفرد بفهمه العلماء المتبحرون الماهرون في علم الكتاب والسنة؛ كما قال ـ تعالى ـ:{وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} ، و (أولو الأمر) : هم العلماء، والاستنباط لا يكون إلا في الشّيء الذي خَفِيَ دليله.
فصل
وأما التفرق والاختلاف اللذان ذمَّهما الله ـ تعالى ـ ونهى عنهما؛ فهو الاختلاف في الآراء التي لا دليل عليها من كتاب ولا سنة؛ فإن الآراء لا نهاية لها، والعقول تتفاوت