وأنزل به الكتاب، وهو الغاية المطلوبة والحكمة المقصودة من إيجاد المخلوقات وخلق سائر البريّات. قال ـ تعالى ـ:{وما خلقتُ الجنّ والإنس إلَّا ليعبدون} ، ودعا ـ سبحانه ـ عباده إلى هذا المقصود، وافترض عليهم القيام به حسب ما أمر، والبراءة من الشّرك والتّنديد المنافي لهذا الأصل الذي هو المراد من خلق سائر العبيد. قال الله ـ تعالى ـ:{إنّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} ، وقال:{إنّه مَن يشرك بالله فقد حرّم الله عليه الجنّة ومأواه النّار وما للظّالمين من أنصار} ، وقال:{ومَن يشرك بالله فكأنّما خرّ من السّماء فتخطفه الطّير أو تهوي به الرّيح في مكان سحيق} .
فالقول بجواز الاستغاثة بغير الله ودعاء الأنبياء والصّالحين، وجعلهم وسائط بين العبد وبين الله، والتّقرّب إليهم بالنّذر والنّحر والتّعظيم بالحلف وما أشبهه؛ مناقضة ومنافاة لهذه الحكمة التي هي المقصودة بخلق السّماوات والأرض وإنزال الكتب وإرسال الرّسل، وفتح لباب الشّرك في المحبّة والخضوع والتّعظيم، ومشاقّة ظاهرة لله ولرسله ولكلّ نبيّ كريم، والنّفوس مجبولة على صرف ذلك المذكور من العبادات إلى [مَن] أهّلته لكشف الشّدائد، وسدّ الفاقات، وقضاء الحاجات من الأمور العامّة التي لا يقدر عليها إلَّا فاطر الأرض والسّماوات.
الوجه الثّاني: أنّ هذا بعينه قول عُبّاد الأنبياء والصّالحين من عهد قوم نوح إلى أن بُعث [إليهم] خاتم النّبيّين، لم يزيدوا عمّا قاله العراقيّ فيما انتحلوه من الشّرك الوخيم والقول الذّميم؛ كما حكى الله عنهم ذلك في كتابه الكريم؛ قال ـ تعالى ـ:{ويعبدون من دون الله ما لا يضرّهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله} ، وقال