والله أعلم ـ: لا تُعمِله حاجة من حوائج الدُّنيا ـ كالتّجارة ونحوها ـ ممّا هو ليس عبادة؛ فلا يتناول قصد الصّلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم. وهذا الذي اخترناه هو الأحوط في هذه المسألة؛ جمعًا بين الأدلّة وخروجًا من الخلاف الوارد فيها، ولا تقيس قبور غيره من الأنبياء والصّالحين على قبره صلى الله عليه وسلم؛ لأنّ الفرق ظاهر؛ فإنّ زيارة قبره صلى الله عليه وسلم متضمّنة للصّلاة في مسجده، وأمّا قبور غيره فلا تقصد بشدّ رحل ولا سفر، ولا هناك شيء آخر قد شُرِعَ له ذلك، سيّما وقد آل الأمر بالنّاس إلى أمور منكرة مُبتدعة في زيارة القبور، وقد تركوا ما هو الحكمة في زيارة القبور، وعمدوا إلى طلب حوائج الدُّنيا والآخرة من أهلها، حتى عُبِدَت من دون الله ـ عزَّ وجلَّ ـ! فما لهذا شُرِعَة زيارة القبور؛ بل من أجله نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن زيارتها في أوّل الأمر، ثم أَذِنَ فيه بعد أن وقر الإيمان والتّوحيد في قلوب أصحابه.
والعجب من السّبكيّ كيف جزم بتخطئة الإمام النّوويّ في نقله الخلاف في هذه المسألة ـ عند شرحه حديث:«لا تُشَدّ الرِّحال ... » ، الوارد في صحيح مسلم ـ، وحكم بتغليطه! وقد غفل ـ رحمه الله تعالى ـ عمّا ذكره غيره من نقل الخلاف فيها قديمًا وحديثًا؛ فمِمّن ذكر الخلاف فيها، واختار القول بتحريم شدّ الرّحل إلى غير المساجد الثّلاثة: القاضي عياض ـ في شرحه لصحيح مسلم ـ، ومنهم: الإمام ابن عقيل الحنبليّ، ومنهم: ابن الجوينيّ، والقاضي حسين ـ من الشّافعيّة ـ، واختار المنع وإليه أشار: الإمام الغزاليّ ـ في كتابه «الإحياء» ـ. فقد تبيّن بما ذكرناه عن هؤلاء الأئمّة من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة أنّ الإمام النّوويّ ـ رحمه الله تعالى ـ لم ينفَرِد بذكر الخلاف في هذه المسألة؛ بل هو مسبوق به، كما أنّ شيخ الإسلام ابن تيميّة لم ينفَرِد