واعلم أنّ السّائل ـ كثّر الله فوائده ـ ذكر في جملة ما سأل عنه: أنّه لو قصد الإنسان قبر رجل من المسلمين مشهور بالصّلاح، ووقف لديه وأدّى الزّيارة، وسأل الله بأسمائه الحسنى، وبما لهذا الميّت [لديه] من المنزلة؛ هل تكون هذه البدعة عبادة لهذا الميّت، ويصدق عليه أنّه دعا غير الله، وأنّه قد عبد غير الرّحمن، وسُلِبَ عنه اسم الإيمان؟! ويصدق على هذا القبر أنّه وثن من الأوثان، ويحكم بردّة ذلك الدّاعي، والتّفريق بينه وبين نسائه، واستباحة أمواله، ويُعامل معاملة المرتدّين؟ أو يكون فاعلًا معصيّة كبيرة أو مكروهًا؟
وأقول: إنّا [قد] قدّمنا في أوائل هذا الجواب: أنّه لا بأس بالتّوسّل بنبيّ من الأنبياء أو وليّ من الأولياء أو عالم من العلماء، وأوضحنا ذلك بما لا مزيد عليه؛ فهذا الذي جاء إلى القبر زائرًا، أو دعا الله وحده، وتوسّل بذلك الميّت؛ كأن يقول:«اللهمّ إنّي أسألك أن تشفيني من كذا، وأتوسّل إليك بما لهذا العبد الصّالح من العبادة لك والمجاهدة فيك والتعلّم والتّعليم خالصًا لك» ؛ فهذا لا تردّد في جوازه.
لكن؛ لأيّ معنى قام يمشي إلى القبر؟ فإن كان لمحض الزّيارة، ولم يعزم على الدُّعاء والتّوسّل إلَّا بعد تجريد القصد إلى الزّيارة؛ فهذا ليس بممنوع؛ فإنّه إنّما جاء ليزور، وقد أذن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بزيارة القبور؛ بحديث:«كنتُ نهيتُكم عن زيارة القبور؛ [ألا] فزوروها» ـ وهو في «الصّحيح» ـ، وخرج لزيارة الموتى ودعا لهم، وعلّمنا كيف نقول إذا نحن زرناهم؛ وكان يقول: «السّلام عليكم [أهل دار قوم مؤمنين] ، وإنّا بكم إن شاء الله