للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحجته ظاهرة من حديث: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة» ؛ فإن العلة التي شُرعت لأجلها زيارة القبور موجودة في زيارة قبر المسلم والكافر، وأما الدعاء لأهلها فهو خاص بقبور المؤمنين.

وأيضًا: فزيارة القبور تكون شرعية وبدعية؛ فالشرعية: [هي] أن يقف الزائر عند قبر المَزُور ويُسلم عليه كما كان يسلم عليه في الدنيا ويدعو له؛ كما كان صلى الله عليه وسلم يفعل، وصفة زيارته صلى الله عليه وسلم للقبور مشهورة مستفيضة في كتب السُّنَّة، فمن زاد على ما كان صلى الله عليه وسلم يفعله؛ فقد شرع في الدين ما لم يأذن به الله؛ {ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين} .

وأما الزيارة البدعية: فسنبينها ـ إن شاء الله تعالى ـ في القسم الثالث الذي ذكره المعترض، والله الموفّق.

وقد تبيَّن مما أسلفناه أن القسمين الأولين اللذين ذكرهما هذا المعترض؛ هما اللذان بيَّنهما النّبيّ صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله؛ حيث يقول: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة» ، وفعله الذي كان يفعله إذا أراد زيارة أهل البَقيع من الدعاء لهم والتّرحّم عليهم والسّلام. وفي هذا كله لا تعود فائدته إلا على المزور؛ لأن الميت ينتفع بالدعاء له والتّرحّم عليه. نعم؛ ينتفع الزائر إذا أراد بزيارته تذكّر الآخرة، وهذا يحصل بزيارة أي قبر، ولو قبر كافر، وينتفع أيضًا بثواب الدعاء الذي كان يدعوه للأموات، ولكن ليس للميت في هذا دخل؛ لأن المُثيبَ على الدعاء هو الله، وكل امرئٍ إذا دعا لإخوانه المسلمين بظهر الغيب يكون له مثل ما دعا به؛ كما ورد في حديث هذا معناه، وقد يدخل في القسم الثاني من الأقسام الأربعة التي ذكرها الخصم.

القسم الرابع: وهو أن تكون الزيارة لأداء حقهم من باب اللُّزوم؛ فإن الزائرَ إذا زار أيَّ قبر ودعا لصاحبه وترحَّم وسَلَّم عليه؛ فقد أدَّى حَقَّه، سواء كان

<<  <   >  >>