أنّه ساقط لا يصلح للاحتجاج في محلّ النّزاع؛ إذ لو كان هذا الحديث ثابتًا عند أهل الفنّ الشّريف لما أخلوا منه كتبهم؛ إذ هي الأصول السّتّة، وإذا كان ابن ماجه ـ مع تساهله في إيراد بعض الأحاديث الواهية ـ لم يخرّجه؛ فكيف غيره من أهل الصّحيح والسّنن. وأما إخراج الدّارقطنيّ له؛ فهو جريٌ على عادته في «سُننه» من إخراج غرائب السُّنن، وكم أودعها أحاديث ضعيفة بل موضوعة، وتارة ينبّه عليها، وقد لا ينبّه. وقد بيّن حال الأحاديث التي فيها الحافظ شمس الحقّ الدّهلويّ في كتابه «التّعليق المغني على سُنن الدّارقطنيّ» .
ثم إنّ السّبكيّ بعد أن نقل جواب شيخ الإسلام على وجهه؛ أخذ يُحرّفه عند الرّدّ عليه؛ فمن ذلك قوله عنه:«إنّ العلماء قد حرّموا شدّ الرّحل إلى أيّ مسجد غير المساجد الثّلاثة، ولو نذره» ؛ فهذا تحريف بيّن من السّبكيّ؛ لأنّ شيخ الإسلام نقل الخلاف فيمَن نذر الصّلاة في مسجد غير الثّلاثة، وذكر وجوب الوفاء به عن مالك والشّافعيّ وأحمد ـ في الرّوايتين ـ، وذكر عن أبي حنيفة أنّه لا يجب الوفاء به؛ لأنّ قاعدة النّذر عنده: أنّه ما كان من جنسه واجبًا فالوفاء به واجب. واحتجّ شيخ الإسلام للجمهور بقوله صلى الله عليه وسلم:«مَن نذر أن يطيع الله فليطعه، ومَن نذر أن يعصيه فلا يعصه» ، أخرجه البخاريّ. وإذا كان حال السّبكيّ هكذا من تحريف كلام العلماء من أجل مخالفتهم له؛ فلا ثقة بنقله في شيء؛ لأنّ هذا قادح فيه، سيّما والمسألة قريبة. وأمّا حطّه على ابن بطّة الحنبليّ، وذكره كلام الخطيب فيه؛ فهذا لا يقدح فيه؛ لأنّ المسألة من أبواب الفقه، والرجل فهو ـ وإن كان ضعيفًا في الحديث ـ فهو فقيه باتّفاق ـ كما سنبيّنه ـ.