ومنهم مَن كرهها مطلقًا، ومنهم مَن أباحها إذا عريت عمّا تقدّم:
فحُجّة الفريق الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: «زوروا القبور؛ فإنّها تذكّركم الآخرة» ، وقوله:«كنتُ نهيتُكم عن زيارة القبور؛ فزوروها» ، وفعله صلى الله عليه وسلم من زيارة قبور أهل البقيع والشّهداء، والدُّعاء لهم والتّرحّم والسّلام عليهم. وعلى هذا؛ فمعلوم أنّ الزّيارة إذا خلت عن تذكّر الآخرة والدُّعاء والتّرحّم والسّلام على أهل القبور؛ فغير مشروعة اتّفاقًا؛ لأنّ العلّة تدور مع الحكم نفيًا وإثباتًا.
وأمّا حُجّة مَن كرهها: فلعلّ النّاسخ لم يبلغهم.
وأمّا حُجّة مَن أباحها: ورود الإذن بعد النّهي؛ لأنّ صيغة (افعل) بعد الحظر لا تفيد إلَّا الإباحة عند كثير من أهل الأصول.
وحيث أنّ قياس زيارة الميّت على الحيّ هو الذي اغترّ به السّبكيّ، وأطال في تقريره؛ أردتُ أن أورد لك عبارة من كلام شيخ الإسلام في تفنيده وردّه؛ قال ـ رحمه الله تعالى ـ في «الجواب الباهر» ما نصّه، وقبل نقل عبارته أذكر لك فائدة؛ وهي: أنّ جميع ما أورده السّبكيّ في كتابه هذا قد أخذه عن القاضي المالكيّ الذي ردّ ـ بزعمه ـ على شيخ الإسلام؛ حيث أفتى بمنع شدّ الرّحل إلى مجرّد زيارة القبور؛ فقد وقع ردّه في يد شيخ الإسلام، وردّ عليه بكتاب حافل سمّاه «الجواب الباهر لمن سأل عن شدّ الرّحل إلى زيارة المقابر» ؛ فما ترك فيه للمعاند مجالًا؛ بل سدّ عليه الأبواب، وألقمه الأحجار، وألزمه السّكوت؛ فلا أدري هل السّبكيّ رأى هذا الكتاب أم [لا] ؟ فإن كان رآه؛ فكيف ساغ له الإتيان بالشّبه المردود عليها والمقطوع أصولها؟! وإن كان لم يره؛ فنحن قد نقلنا لك شيئًا منه ـ والكتاب موجود ـ.
وقد قلتُ: إنّ السّبكيّ أخذ كتابه عن القاضي المالكيّ الذي رَدّ عليه شيخ الإسلام؛ لعلمي أنّ السّبكيّ لم يؤلّف