للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مشروعة له إذا وصل ـ؛ فلا شكّ أن يكون فعله هذا كله طاعة وتقرُّبًا إلى الله ـ عزَّ وجَلَّ ـ؛ فتفطّن، والله يؤيّدك.

فصل

واعلم أنه لم يكن من غرض شيخ الإسلام الكلام في هذه المسألة؛ ولكن اضطرّ للكلام فيها لما سُئِلَ عن حكم شدّ الرّحل والسّفر إلى قبور الأنبياء والصّالحين؛ فأفتى بعدم جوازه؛ محُتجًّا على ذلك بحديث الصحيحين المتقدّم؛ فجادله خصماؤه؛ مُحتَجّين عليه بالأحاديث المتقدّمة المتضمّنة لاستحباب شدّ الرّحل والسّفر إلى زيارة قبره صلى الله عليه وسلم ومشروعية زيارته؛ وقالوا له: إذا كان هذا مشروعًا في زيارة قبره صلى الله عليه وسلم؛ فقبور غيره من الأنبياء والصّالحين مُقاسة عليه؛ فانجبر على الكلام في هذه المسألة، وتكلّم على الأحاديث التي أوردوها، وبيَّن ما فيها من صحيح وضعيف وموضوع، وأنّ الصّحيح منها لا يُفيد مشروعيّة شدّ الرّحل والسّفر بقصد الزّيارة، والضّعيف منها لا يفيد إلَّا مشروعيّة الزّيارة المُجرّدة عن شدّ رحل وسفر، وذلك بعد جمع طرقه ـ جريًا على القول بأنّ الحديث الضّعيف يُعمل به إذا كثرت طرقه وتعددت ـ، وأنتَ خبير بأنّ قبور غيره لا تُقاس عليه؛ لأنّا نقول: المسافر إلى المدينة إمّا بنيّة الزّيارة وحدها فقط، وإمّا بنيّة الزّيارة والصّلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم. وعلى كلٍّ؛ فلا بُدّ أن يأتي المسجد الشّريف ويُصَلِّي فيه، ثم يزوروها؛ فالمقصود من شدّ الرّحل والسّفر إلى المدينة قد حصل، نوى ذلك أم لم ينوِه.

وأمّا المسافر إلى قبور الأنبياء والصّالحين فلا قصد له إلَّا الزّيارة، ولا شيء هناك يقصد سواها، فلما علمنا ذلك؛ نظرنا في قوله وفعله صلى الله عليه وسلم؛ ولم نجد إلَّا قوله صلى الله عليه وسلم: «كنتُ نهيتُكم عن زيارة القبور؛ فزوروها» ، وقوله: «زوروا القبور؛ فإنّها تُذَكِّر الآخرة» ، وهذا لا يفيد إلَّا العِظَة وتذكّر الآخرة، ولا يختصّ به قبر دون قبر؛ بل أي قبر زاره ورآه حصل له ذلك، وأي بلد من بلدان المسلمين حتّى الكافرين خالية من المقابر؛ فليس في السّفر إلى زيارة القبور فائدة؛ لأنّ المقصود من زيارة القبور يحصل من القريبة كما يحصل من البعيدة؛ إذًا العِلّة واحدة. وتتبّعنا فعله صلى الله عليه وسلم في زيارة القبور؛ فلم نجد فيه أنّه صلى الله عليه وسلم شدّ رحله وسافر إلى زيارة قبر أحد الأنبياء والصّالحين؛ بل اقتصر على زيارة أهل البقيع

<<  <   >  >>