لا تجرون فيهم؛ فلِمَ أجريتموه في غيرهم، والمقالة واحدة من غير فرق؟! ومعلوم أنّه لم يُنقل عن أحد منهم التّفصيل والتّقسيم الذي ذكرتموه، وإن كنتم تجرون هذا الخلاف فيهم أيضًا؛ فقد طعنتم في مقلّديكم؛ لأنّ تقليد الكافر والفاسق في أمر الدّين غير جائز بحال. فبالله عليكم؛ كفّوا واستحيوا من الله ـ عزّ وجلّ ـ من هذا المقال، وكيف تكفّرون وتفسّقون مَن أثبت لله ـ عزّ وجلّ ـ صفاته التي أثبتها لنفسه وأثبتها له رسوله ـ وهو أعلم بربّه وأتقى النّاس له ـ؟! فيستحيل أن يصفه بصفات ظاهرها غير مراد وأنّه يؤدّي إلى التّجسيم، من غير أن يبيّن لهم ويحذّرهم من اعتقاد ذلك، ويتلو عليهم آيات ربّهم التي فيها صفاته ولا يؤوّلها بصرفها عن ظاهرها؛ والله يقول:{وأنزلنا عليك الذّكر لتبيّن للنّاس ما نُزّل إليهم} ؛ فأيّ احتياج أعظم، وأيّ أمر للنّاس أهم من بيان صفات الله ـ عزّ وجلّ ـ؟! فكيف يليق بهذا النّبيّ الحريص على هداية أُمّته كتمان ذلك، بل يأتيهم بألفاظ توافق ما في كتاب ربّهم، ويسأل عن (الأين) ، ويُسأل أيضًا كذلك، ولم يقل لهم: لا تسألوا عن (الأين) ؛ فإن الله لا يُقال له: أين، ولا في السّماء ولا في الأرض، ولا فوق ولا تحت ولا خلف ولا أمام، وهو من الجهات السّتّ خال! سيّما وقومه كانوا حديثي عهد بالكفر، فكيف يتركهم على هذه الظّواهر المتبادرة من القرآن الذي نزل بلغتهم، لا يبيّنها لهم بيانًا شافيًا، كما بيّن الوضوء والصّلاة والزّكاة وغير ذلك من أحكام الدّين؟!
فإن قلتم: علّمهم جميع ذلك؛ قلنا: لِمَ لم يُنقل عن أحد من الصّحابة ـ من وجه صحيح ولا ضعيف ـ شيء مِمّا ذكرتم؟! بل المحفوظ عنهم: هو ما ذكرناه من إثبات هذه الصّفة؛ فبالله عليكم؛ تنبّهوا وتيقّظوا لقولكم هذا؛ فإنّه ـ والله ـ نفي وتعطيل وجحود لصفات ربّكم، وطعن في نبيّكم وأصحابه فمَن بعدهم، إلَّا مَن دان الله بعقيدتكم هذه التي نتيجتها العدم والصّرف.
ومَن أراد الله هدايته رجع عنها في آخر عمره؛ فممّن رفضها: إمام المتكلّمين في زمانه أبو الحسن الأشعريّ؛ وصنّف كتابه «الإبانة عن أصول الدّيانة» ؛ رجع فيه إلى