لقد كان المؤلف- رحمه الله- كفيف البصر منذ ولادته، ولكنَّ الله سبحانه وتعالى رزقه وعوَّضه عن نعمة البصر بنعمة البصيرة، والذكاء، وقوة الحافظة. ومِمَّا يدل لهذا ما حدَّثني به ابنه حيث قال:(كان أبي يعرف مواضع الكتب وأماكنها من مكتبته) . وما قاله أيضاَ تلميذه حمزة سعداوي:(كان شيخنا- رحمه الله- الشيخ محمد أُوتي قوة حافظة عجيبة، وسرعة تذكُر، فكان إذا سمع الصوت مرة واحدة لا ينساه وربما يعرف القادم من خلال مشيه وخطواته) . ويدلُّ لهذا ما ذكره- رحمه الله- في كتابه هذا من الكتب الكثيرة، وسرد أسمائها وأسماء مؤلفيها من حفظه.
وكان- رحمه الله- ربعة من الرجال، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير، كان نحيفاَ، ويمتاز بهيئته في المشي. فإذا مشى مشى ممشوق القائمة شامخاَ برأسه، ولم يكن - رحمه الله- كثير شعر اللحية، بل كان خفيف العارضين، وربما إذا مشى مسك عصى بيده، وقد يأتي أحياناَ ويكون معه قائدٌ يقوده من بيته إلى مسجده. ولباسه لباس العلماء في ذلك الوقت- الجبة والعمامة-. كان صوته أقرب إلى الخفض، إلا أنه كان مسموعاً هادئاَ يبعث سماعه على الطمأنينة والراحة.
ولم يكن- رحمه الله- ممن يكثر الاختلاط بالناس، إلا بقدر الحاجة من نصح وإرشاد.
كان كثير الصوم والصلاة، دائم التضرع والابتهال إلى الله. حدثتني ابنته تقول:
(كان يقضي غالب وقته في مكتبته مع بعض تلاميذه، فإذا جاء الليل شغله بالذكر والقرآن والصلاة ويحرص حرصا شديدا على صيام أيام التطوع) .