للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والنّوويّ؛ فأيّ لوم يلحق بشيخ الإسلام على نقله الخلاف في هذه المسألة؟! وكيف يقول هذا من عند نفسه؟! وقد تقدّم نصوص هؤلاء الذين نقلوا الخلاف، ولا التفات لتغليط السّبكيّ النّوويَّ؛ فإنّه لم يسبقه لتغليطه النّوويَّ أحدٌ قبله.

ثم إنّ السّبكيّ ـ رحمه الله تعالى ـ قد أطال الكلام بعد ذلك بذكر أشياء لا تدلّ على مقصوده؛ بل خارجة عن الموضوع؛ فغاية أمرها أنّها تفيد استحباب الزّيارة، ونحن ـ ولله الحمد ـ وشيخ الإسلام وكافّة المسلمين لا ننكر ذلك، ولكنّ الخلاف في مسألة: شدّ الرّحل، وقد عرفتَ أنّهما مسألتان، وعرفتَ أيضًا الفرق بينهما.

وهنا أمر يجب التّنبيه عليه؛ وهو: أنّ شيخ الإسلام قد استحبّ زيارة قبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم؛ وذكر ذلك في «مناسكه» و «فتاويه» ؛ فمَن نسب له أنه كره الزّيارة أو حرّمها؛ فهو كاذب عليه. نعم؛ أنكر شدّ الرّحل للزّيارة المجرّدة؛ محتجًّا بالحديث الصّحيح؛ وهو: «لا تُشَدّ الرّحال ... » ، ونقل فيه الخلاف، واختار القول بالمنع؛ وقال: يشدّ الرّحال بنيّة الصّلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم، وإذا وصل زار القبر الأعطر، وكذا قبور الشّهداء وغيرهم، وإذا نوى بشدّ الرّحل الصّلاة في المسجد والزّيارة معًا؛ فلا بأس. فقط يمنع شدّ الرّحل بقصد الزّيارة من غير قصد الصّلاة في المسجد ـ كما تقدّم بيان ذلك بأدلّته مستوفاة. والله الموفّق.

فصل

واعلم أنّ هذه المسألة ليست من المسائل المنفصلة، والخلاف فيها شديد الخطر حتى يُتعمّق في تحريرها، وعند التأمّل يظهر أنّ الخلاف فيها قريب التّوفيق؛ إذ لا بُدّ من زيارته صلى الله عليه وسلم على كلّ قول من هذه الأقوال، سواء قصد بشدّ الرّحل الصّلاة في المسجد، أو الصّلاة والزّيارة معًا، ولم يقل أحد بشدّ الرّحل إلى الزّيارة من غير قصد الصّلاة في المسجد، كما لم يقل أحد بمنع الزّيارة؛ فالحاصل أنّ الخلاف يرجع إلى شيء واحد؛ وهو: الصّلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم وزيارة قبره المعظّم.

فإن قلتَ: إذا كان

<<  <   >  >>