يقتدي بك، وليس له بصيرة مثل بصيرتك، ولا قوّة في الدّين مثل قوّتك؛ فيحكى فعلك صورة، ويخالفه حقيقة، ويعتقد أنّك لم تقصد هذا القبر إلَّا لأمر، ويغتنم إبليس اللّعين غربة هذا المسكين الذي اقتدى بك واستنّ بسُنّتك؛ فيستدرجه حتى يبلغ به إلى حيث يريد. فرحم الله امرءًا هرب بنفسه من غوائل التّقليد، وأخلص عبادته للحميد المجيد.
وقد ظهر بمجموع هذا التّقسيم أنّ مَن يقصد القبر ليدعو عنده؛ هو أحد ثلاثة:
١ـ إن مشى لقصد الزّيارة فقط، وعرض له الدُّعاء، ولم يحصل بدعائه تغرير على الغير؛ فذلك جائز.
٢ـ وإن مشى بقصد الدُّعاء فقط أوّله مع الزّيارة، وكان له من الاعتقاد ما قدّمنا؛ فهو على خطر الوقوع في الشّرك، فضلًا عن كونه عاصيًا.
٣ـ وإذا لم يكن له اعتقاد في الميّت على الصّفة التي ذكرنا؛ فهو عاصٍ آثم، وهذا أقلّ أحواله، وأحقر ما يربحه في رأس ماله.
وفي هذ المقدار كفاية لمَن له هداية، والله وليّ التّوفيق.
انتهى ما أردتُ نقله على مسألة الاستعانة والتّوسّل، وقد استرسلتُ في هذه المسألة زيادة على غيرها من مسائل الكتاب؛ لأنّها هي بيت القصيد وروح الكتاب، وهذ القدر الذي نقلتُه فيها إنّما هو بعض ما قاله العلماء المحقّقون؛ ولو أخذتُ أذكر جميع ما قيل فيها لطال الكتاب جدًّا؛ فرأيتُ من الصّواب أن أقتصر على ما حرّره هذا الإمام في هذه المسألة؛ لأنّه سلك منهج الإنصاف، وتجنّب طريق الاعتساف، وكتابه هذا مشتمل على بيان بدع كثيرة ابتدعها النّاس؛ فزيّفها وقضى عليها بالنّقض والإبطال؛ بأقوم حُجّة وأقوى سلطان وأعظم برهان؛ فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين أفضل ما جازى به مَن ذبّ عن سُنّة سيد ولد عدنان، عليه وعلى جميع الأنبياء والمرسَلين أفضل الصّلاة والسّلام.