للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يشمل كلّ قبر، وإنّما منعنا من السّفر وشدّ الرّحل لمجرد زيارتها من غير قصد شيء آخر معها؛ للحديث الصّحيح الوارد في النّهي عن ذلك، وتَتَبّعنا ما ورد في زيارته صلى الله عليه وسلم لقبور المسلمين الذين كانوا في زمانه، وزيارة أصحابه من بعده لقبور إخوانهم من المؤمنين؛ فما وجدنا فيها شيئًا يدلّ على أنّه صلى الله عليه وسلم سافر أو شدّ رحلًا لزيارة قبر أحد من الأنبياء ولا غيرهم، ولا فعل هذا أحد من أصحابه؛ فعلمنا قطعًا أنّ السّفر لمجرد زيارة القبور ليس مشروعًا؛ بل هو منهيّ عنه، ومعاذ الله أن يكون أمرًا مشروعًا في الدِّين محبوبًا لله ولا يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من أصحابه ـ الذين هم صفوة هذه الأمّة وخيرة الله من خلقه بعد المرسَلين ـ، ويفعله هذا السُّبكيّ وأضرابه!

فخلاصة القول: أنّ زيارة قبره صلى الله عليه وسلم وقبور غيره مشروعة من غير سفر ولا شدّ رحل؛ بل يقصد المسافر الصّلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم؛ فإن شاء ضمّ لنيّته هذه نيّة الزّيارة وقت السّفر، وإن شاء أخَّرها؛ حتى إذا وصل إلى المسجد الشّريف وصلَّى فيه؛ زار قبره صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه أبي بكر وعمر وقبور أهل البَقيع، وغيرهم من قبور المسلمين، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيميّة، وعليه تدلّ الأحاديث الصّحيحة الواردة عنه صلى الله عليه وسلم من قوله وفعله وفعل أصحابه من بعده. وأما قبور سائر المسلمين ما عدا ذلك؛ فلا يُسافر إليها بقصدها؛ بل إذا قصد بلدة لحاجة من حوائج الدُّنيا أو الدِّين؛ فإنّه يُستحب له أن يزور القبور التي فيها سواء كانت قبور صالحين أو غيرهم. فهذا الذي نقوله ونديه الله به؛ فلا نزيد على ما ورد في الشَّرع ولا ننقص منه شيئًا. وأما التّبرّك بالقبور؛ فهذا شيء لا نقول به ولا ندين الله به؛ بل نزور القبور لتذكّر الآخرة، والدُّعاء والتّرحّم والسّلام على أهلها والاستغفار لهم ـ كما جاءت به السُّنَّة المطّهرة ـ. والله أعلم.

وقوله: «فإنّ لفظ (الزّيارة) يتناول الزّائر من بُعد ومن قُرب وسَفر» .

فالجواب: هذا صحيح، ولكننا لما نظرنا في أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم وأفعال أصحابه؛ فلم نجد فيها شيئًا يُستدلّ به على استحباب السّفر لمجرد الزّيارة؛ علمنا يقينًا أنّ السّفر لمجرد الزّيارة

<<  <   >  >>