للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فصل

فإن قال قائل: كلّ المسلمين متقدّمهم ومتأخّرهم على هذه العقيدة؛ وكيف لا يدينون الله بهذه العقيدة وهي عقيدة سلف الأُمّة من الصّحابة والتّابعين والأئمّة المجتهدين، وهي التي جاء بها القرآن والسُّنّة ـ كما وصفتَ ـ؟!

قلتُ: ما ذكره هذا القائل ساقط؛ لأنّ أكثر المتأخّرين على خلاف هذا؛ بل كلّ مَن اعتقد عقيدة السّلف من إثبات الصّفات لله ـ تعالى ـ وأنّه في السّماء؛ فبعضهم يكفّره وبعضهم يفسّقه ـ وهذا أورعهم ـ!

وإليك بعض ما قاله زعيمهم أحمد بن حجر المكيّ؛ فقد ذكر في كتابه «الفتاوى الحديثيّة» ـ وهو من باب تسمية الشيء بضدّه؛ لأنّه لم يسلك في هذه المسألة طريقة الحديث؛ بل شنّع على مَن يعتقد هذه العقيدة، واستدلّ بأقوال مَن هم على شاكلته ـ؛ قال في الكتاب المذكور، بعد كلام طويل قاله في ذكر الخلاف بين أصحابه في تكفير سلف هذه الأُمّة وصفوتها؛ لأنّهم هم القائلون: إنّ الله في السّماء على عرشه ـ كما قدّمنا ذكر ذلك عنهم، معزوًّا إلى كتب صحيحة ـ؛ قال ابن حجر:

«إذا تقرّر هذا؛ فقائل هذه المقالة ـ التي هي القول ... أعني بها: إنّ الله في السّماء؛ لأنّها هذه التي سُئل عنها بالجهة فوق ـ إن كان يعتقد الحلول والاستقرار والظّرفيّة والتّحيّز؛ فهو كافر يسلك به مسلك المرتدّين إن كان مظهرًا لذلك، وإن كان اعتقاده مثل أهل المذهب الثّاني؛ فقد تقرّر الخلاف فيه؛ فعلى القول بالتّكفير؛ يرجع لما قبله، وعلى الصّحيح: ينظر فيه؛ فإن دعاه النّاس إلى ما هو عليه وأشاعه وأظهره؛ فيُصنع به ما قال مالك ـ رضي الله عنه ـ فيمَن يدعو إلى بدعته، ونصّ على ذلك في آخر (الجهاد) من «المدوّنة» وتأليف ابن يونس، وإذا لم يدع إلى ذلك، وكان يظهره؛ فعلى مَن ولّاه الله أمر المسلمين ردعه وزجره عن هذا الاعتقاد والتّشديد عليه حتى ينصرف عن هذه البدعة؛ فإنّ فتح مثل هذا الباب للعوامّ وسلوك طريق التّأويل؛ فيه إفساد لاعتقادهم،

<<  <   >  >>